السبت، 30 أكتوبر 2010

من وحي قلم الرافعي رحمه الله ......6

سر النجاح ....


ما خلق اللهُ ذا عقلٍ من بني أدمَ إلا أودعَ في تركيبِه شيئينِ كالمقدمةِ والنتيجة , وأعطاه بهما القدرةَ على الوسيلة والغاية , " ليحيا منْ حيَّ عنْ بينةٍ ويهلكَ منْ هلكَ عنْ بينة " , ففي تركيبِ الإنسانِ قوةُ الرغبةِ في النجاحِ وأن يتأتى إلى سرهِ أو يبلغ منه أويقاربه ( أي النجاح ) , وفي هذا التركيب عينه ما يهتك به هذا الحجاب ويفضي منه إلى هذا السر ويجمع بك عليه , وما أنكر أن النجاح قدرٌ من الأقدار , ولكنَّه قدرٌ ذو رائحةٍ قويةٍ خاصَّةٍ به يستروحها ( أي الإنسان ) مَنْ تحتَ السماء وهو لايزال في السماء ( أي القدر ) وبينه وبين الأرض أمدٌ ودَهرٌ وأسبابٌ وأقدارٌ كثيرة , ولولا أنَّ هذه الخاصية فيه وفي الإنسان منه لما توفرت رغبةٌ في عمل ولا صَحَّ نشاطٌ في الرغبة ولا توجَّه عزمٌ إلى النشاط ولا توثَّقت عقدةٌ على العزم .

غيرَ أنَّ في الإنسانِ كذلك ما يفسدُ هذه الخاصَّية أو يُضعفُها أو يعطلُّها تعطيلاً , فإذا هي تَضلُّ ولا تهدي وكانت تهدي ولا تضِل , وإذا هي زائغةٌ عن الحقِّ ملتويةٌ عن القصد وكانت هي السبيل إلى الحق وهي الدليل على القصد , وما ينال منها شيئ إلا واحد من ثلاث : العجز , وضعف الهمة , واضطراب الرأي .

فأمَّا العجزُ فمنزلةٌ تجعلُ الإنسانَ كالنَّبات يرتفعُ عن الأرضِ بعُودِه ولكنَّه غائرٌ فيها بأصولِ حياتِه

وأمَّا ضعفُ الهِمَّة فمنزلةُ الحيوان الذي لا هَمَّ له إلا أن يوجَد كيفَما وجِد وحيثما جاء موضوعه من الوجود , إذ هو يُولَد ويكدح ويكِدّ ليكونَ لحمًا وعظمًا وصُوفًا وَوَبرًا وشَعرًا وأثاثاً ومتاعا , وكَأنَّه ضَربٌ أخر من النبات إلا أنه نوعٌ أخر من المنفعة .

وأمَّا اضطرابُ الرأي فمنزلةٌ بينَ المنزلتين ترجعُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة وتقع من كلتيهما موقعها , والعجز وضعف الهمة واضطراب الرأي في لغة العقل معان ثلاثة لكلمة واحدة هي الخيبة , وما أسرار النجاح إلا الثلاثة التي تقابلها وهي القوة والعزيمة والثبات .

ولكن في هذا الإنسان طفولةً وشباباً , وهما حالتان لا بد منهما , وهما من الضعف والنزق بطبيعتهما , وفيها يتثاقل الإنسان إلى أغراضِه , ويرتَد عن صعابها , وينخذل دون غاياتها , وليس يأتي للطفل أن يدرك الرجل في معانيه , ولا للشاب أن يبلغ الحكيم في كماله , فكأنَّ هذين ليس لهما أملٌ في أسبابِ النجاح , وكأن كليهما لا يحسن أن يطوى فؤاده على شيئ ولا أن يجمع رأيه على أمر , غير أن من حكمةِ اللهِ ورحمتهِ أنَّه أرصد من نواميسه القوية لضعف الطفولة ونزق الشباب ما هو سناد يمنع , وموئل يعصم , وقوة تصلح , وهو ناموس القدوة الذي يتمثل في الأب والأم والصاحب والعشير والمعلم والكتاب , لأن الله جلت قدرته يبث الحياة كلها إنما هي ممارسة لفضيلة الإيمان به من حيث يدري الإنسان أو لا يدري .



هناك 3 تعليقات:

  1. كلامه راشع والتفسير بين الاقواس موضح حاجات فعلا مكنتش هاخد بالي منها الا بيها
    سلمت يمناك لنقلك :$

    ردحذف
  2. لتكون سعيدا ...
    سلم الله كل مسلم من كل سوء...
    فكرية .....
    وجزاكم خيرا ونفع بكم...

    ردحذف