للغة والدين والعادات باعتبراها من مقومات الاستقلال....3/3
والعادات هي الماضي الذي يعيش في الحاضر , وهي وحدة تاريخية في الشعب , تجمعه كما يجمعه الأصل الواحد , ثم هي كالدين في قيامها على أساس أدبي في النفس , وفي اشتمالها على التحريم والتحليل , وتكاد عادات الشعب تكون دينا ضيقا خاصا به , يحصره في قبيله ووطنه , ويحقق في أفراده الألفة والتشابك , ويأخذهم جميعا بمذهب واحد , هو إجلال الماضي .
وإجلال الماضي في كل شعب تاريخي هو الوسيلة الروحية التي يستوحي بها الشعب أبطاله , وفلاسفته , وعلماءه , وأدباءه , وأهل الفن منه , فيوحون إليه وحي عظمائهم التي لم يغلبها الموت , وبهذا تكون صورهم العظيمة حية في تاريخه , وحية في آماله وأعصابه .
والعادات هي وحدها التي تجعل الوطن شيئا نفسيا حقيقيا , حتى ليشعر الإنسان أن لأرضه أمومة الأم التي ولدته , ولقومه أبوة الأب الذي جاء به إلى الحياة : وليس يعرف هذا إلا من اغترب عن وطنه , وخالط غير قومه , واستوحش من غير عاداته , فهناك يثبت الوطن نفسه بعظمة وجبروت كأنه وحده هو الدنيا .
وهذه الطبيعة الناشئة في النفس من أثر العادات هي التي تنبه في الوطني روح التميز عن الأجنبي , وتوحش نفسه منه كأنها حاسة الأرض تنبه أهلها وتنذرهم الخطر .
ومتى صدقت الوطنية في النفس أقرت كل شئ أجنبي في حقيقته الأجنبية , فكان هذا هو أول مظاهر الاستقلال , وكان أقوى الذرائع إلى المجد الوطني .
وباللغة والدين والعادات ينحصر الشعب في ذاته السامية بخصائصها ومقوماتها , فلا يسهل انتزاعه منها ولا انتساقه من تاريخه , وإذا ألجئ إلى حال من القهر لم ينخذل ولم يتضعضع , واستمر يعمل ما تعمله الشوكة الحادة : إن لم تترك لنفسها , لم تعط من نفسها إلا الوخز .......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق