السبت، 23 أكتوبر 2010

نبضات من قلب الرافعي رحمه الله ......2



أه من الدنيا ومن قدر على الدنيا حكم

البغض شيئ مؤلم والحب شيئ كالألم

إن ساعة من ساعات هذا الضعف الإنساني الذي نسميه ( الحب ) تنشيئ تاريخا طويلا من العذاب إن لم تكن ألامه هي لذاته بعينها فهي أسباب لذاته , ومن ثم يشتبه الأمر على المحبين إذا استفزتهم فورة الغضب ممن أحبوا , فلا تجد في البغضاء عندهم أبغض من طريقة إظهارها حتى إن نيران قلوبهم لتخلق منها الشياطين .

ألا كم في هذا الحب من العجائب المتناقضة حتى إن فضيلة الصبر في العاشق هي نفسها رذيلة الضعف فيه , كلما طال صبره طال غضبه , وتراه يبغض بأقوى ما في نفسه فلا يكون ذلك إلا إخفاء لأضعف ما في قلبه , وإذا ترامى في أطراف الأرض لينأى عن حبيبه رأيته من أي عطفيه التفت , لا يجد إلا خيال حبيبه , ومهما انطرح قلبه في مطارح السلوان فلن يكون إلا كعقرب الساعة تعمل كل قواها في إبعاده عن ( الثانية عشرة ) ليرجع دائما بنفس هذه القوى إلى ( الثانية عشرة ) نفسها .

العاشق هو وحده المخلوق الغريب الذي ترى الأحلام في عينيه وهو يقظان يعقل ويعي . فليست الحبيبة في عينه امرأة كغيرها من الناس , وإنما تخرجها ( يقصد عينه ) له جملة من الصفات الغريبة التي فيها لتقابل جملة أخرى من الصفات الغريبة التي فيه , ومتى كان الأمر غريبا نادرا من طرفيه في النظر والاعتقاد لم يبق فيه موضع يمكن الحكم عليه بأنه من الأشياء المألوفة التي جرت بها العادة . وتلك هي معضلة الحب التي جعلت من بعض النساء الضعيفات هزلا أروع من الجد ومن بعض الرجال الأقوياء جدا أسخف من الهزل . معضلة لا تحل أبدا ما مادامت بين الحبيب ومحبه إذ لا تجئ ولا تكون ولا تستمر إلا كما تجيئ وتكون وتستمر , وإنما مثلها كذلك الإنعكاس الذي لا يستوي له بحال من الأحوال أن يظهر الكتابة على المرآة إلا مقلوبة أبدا .

كل معنى انساني في الحبيب يكون دائما وراءه معنى غير انساني في وهم المحب , فالمعشوق مجتمع من إنسانيتين متباينتين وهذا هو كل السر في انفراده عند من يهواه ما دام يهواه .

ليس ببعيد أن تكون هذه القلوب الإنسانية ينظر بعضها في بعض أحيانا على شعاع الروح كما يتراءى الوجه للوجه في سراج العين , ومن ثم يكون اختلاف كل عاشق مع الناس أجمعين في تقدير الجمال الذي يعشقه واعتباره إذ لا يقدر بعينه ولا بعقله ولكن بقلبه .

من الحب رحمة مهداة , فإذا كنت مع الله كانت كل أفكارك صورا روحانية , فأنت كالملك : هو في الأرض ما هو في السماء .

ومن الحب نقمة مسلطة , فإذا كنت مع الشياطين كانت كل أفكارك صورا حيوانية , فأنت كهذا المتجهم الطياش (القبيح الوجه ) الذي لو نظر في كل مرائي الدنيا ( جمع مرآة ) ما رأى في جميعها غير وجه القرد , لأنه القرد ....

والناس في هذا الحب أصناف :

فواحد يجاهد زلات قد وقعت , وهو المحب الآثم
وأخر يجاهد شهوات تهم أن تقع , وهو المحب الممتحن
وثالث أمن هذه وهذه وإنما يجاهد خطرات الفكر , وهو المحب ليحب فقط
ورابع كالقرابة والصديق

عجز الناس أن يجدوا في لغاتهم لفظا يلبس هذه العاطفة فيهم فألحقوها بأدنى الأشياء إليها في هذا المعنى , وهو الحب .





هناك تعليق واحد:

  1. ألا كم في هذا الحب من العجائب المتناقضة حتى إن فضيلة الصبر في العاشق هي نفسها رذيلة الضعف فيه , كلما طال صبره طال غضبه , وتراه يبغض بأقوى ما في نفسه فلا يكون ذلك إلا إخفاء لأضعف ما في قلبه ,

    ..................
    لما حكيتلي انو رائع ومميز معلقتش
    بس دلوقتي استوعبت

    ردحذف