السبت، 23 أكتوبر 2010

ابتهالات في محراب الحب للرافعي رحمه الله ........

من روائع ما قاله الرافعي ......


الحب قدرة إنسان على قلب إنسان , فهو من ثم قدرة الكون على التنصل بالعاشق وهو بهذه القدرة أشبه بألوهية لو ساغ في الظن أن توجد ألوهية عاجزة عن كل شيئ إلا عن التصرف في مخلوق واحد وهو بكل ذلك إما حقيقة كبرى أو سخرية كبرى ..

يا من غرسني في الحياة كغرس الشجر بين الماء والنور ولكنه جعل جذوري كلها مستقرة مثله في الطين ...

يا من لا يؤتيني معنى شريفا ساميا على هذه الأرض إلا إذا عرفت بإزالة معنى وضيعا سافلا , ولا ينضج ثماري ويحليها إلا بعد أن تنبت فجة مرة لا تذاق ...

يا من خلقني إنسانا ولكنه قضى علي أن أقطع الحياة كلها أتعلم كيف أكون إنسانا , كالبذرة : تقضي عمرها في إخراج شجرتها ونموها حتى إذا كملت الشجرة قطعت لأغراض أخرى غير التي من أجلها نبتت ....

يا من وهب عباده بين هذه النواميس التي لا تعقل حتى لا يتم أبدا عقل إنسان ولا تكمل أبدا حكمة حكيم فيظل باب الخطأ مفتوحا لأكبر العقول واصغرها , وتكون الحيرة قاعدة من قواعد العقل , ليخرج من ذلك أن يكون التسليم قاعدة من قواعد القلب ....

يا من جعل من شفائنا بالعلم داء أخر من العلم حتى لا يرتفع المضر من الأرض ولو صار أهل الأرض كلهم علماء ...

يا من جعل الناس في الحياة كأوراق الشجر , من اليابسة التي تتقصف إلى جانب الخضراء التي ترف , ثم إذا الناس جميعا كالأوراق جميعا , يبست فتفتت فطارت بها الريح تذروها فلا يعلم مستقرها ومستودعها إلا هو ....

ويا من خصني بهذا القلب العاشق الذي يتألم ويضطرب حتى عندما ألمس كتابا أعرف أن فيه قصة حب وهو مع ذلك يتكبر على كل آلامه ولا يخضع أبدا إلا جوابا على خضوع آخر فكأنه لا يدنيني ممن أحبهم إلا لأعرف ما أكرهه فيهم , وهو من فرط رقته آلة إحساس جامدة لا قلب حي ....

ويا من جعل هذا القلب في كجناح الطائر لا يطير ولا يرتفع ولا يسمو ولا يتقاذف إلا إذا نشر هو جناحه الآخر فلا أبحث عن الحب لأجد الحبيبة وجمالها وحبها , بل قوتي وسموي وكبريائي .

يا إلهي : تقدست وتباركت , إني لا أنكر حكمة آلامي فما أنا إلا كالنجم : إن يسخط فليسخط ما شاء إلى ظلمة ليله ( حتى غروب الشمس ونزول الليل ) التي تشب لونه وتجلوه ولولاها لما رأت العين شعاعه يلمع .....

لم تعطني يا رب ما أشتهي كما أشتهيه ولا بمقدار مني , وجعلت حظي من آمالي الواسعة كالمصباح في مطلعه من النجوم التي لا عدد لها ولكن سبحانك اللهم لك الحمد بقدر ما لم تعط وما أعطيت , لك الحمد أن هديتني إلى الحكمة وجعلتنى أرى أن نور المصباح الضئيل الذي يضيئ جوانب بيتي هو أكثر نورا في داخل البيت من كل النجوم التي ترى على السطح وإن ملأت الفضاء ....

سبحانك , إن الساخط على الحياة والحياة منك , ليس إلا كورقة في شجرة قد بدا لها فسخطت شجرتها وعملها ونظامها ولونها وانتزعت نفسها وهوت في التراب لتخلق أوهامها وتخرج من نفسها على ما تحب شجرة جمال ولون وثمر فإذا هي أهون على الأرض والسماء من أن تكون إلا ورقة يابسة قد هلكت حمقا وتفتت رغما وهوانا وضاعت فيما يضيع .

سبحانك .....سبحانك

اللهم لا تجعل ما يرفعني يقذفني

ولا ما يمسكني يرميني

ولا ما نضرني يجفو بي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق