عن فلسفة الحب وحال المحبين
تقول العرب : امرأة مجلوة , ويفسرون ذلك بأنك إذا رامقت فيها الطرف جال , يعنون : أنها من جمالها ذات شعاع , فيجول الطرف فيها لأجل شعاعها وبريقها .
أفلا يجوز لنا أن نزيد في هذه اللغة : وامرأة صدئة , ونفسرها بأنها هي التي إذا اتصلت بها تركت مادة الصدأ على روحك اللامعة , لأنها كهذا الصدأ طينت على طينتها (أي جبلت على هذا الطبع(
أف للشعر .... يعلو بالأشياء كلها علو الأسرار الإلهية التي فيها , ويعلو بالشاعر على كل الناس , إذ كان فيه من روح الله أكثر مما فيهم , ثم لا يكون عقابه على هذا التأله إلا أن يرمي بصاحبه من فوق سماواته تحت قدمي امرأة إن كان في الشاعر روح رجل تام , أو بين سفلة الخلق وسفاسف الأشياء , إن كان الشاعر مؤنث النفس أو ساقطها .
إن الله لا ينعم قلبا في الدنيا على أسلوب النعيم في الآخرة , ولكنه ترك للناس أن يعذبوا أنفسهم هنا على نحو مما هنالك ( أي في الآخرة ), فكلما طفئت لهم نارا أوقدوا غيرها يحترقون فيها ليذوقوا العذاب لا ليموتوا.
الإنسان من الهم في عمر دهر لا يموت , ومن السرور في عمر لحظة تشب وتهرم وتموت في ساعات والحي كأنه من هذه الدنيا فرخ في بيضة ملئت له وختمت عليه فلن يزيد فيها غير خالقها , وخالقها لن يزيد فيها ( قدرا ...وهو إن شاء زاد فيها عز وجل(
من الصحة والمرض مما سر وساء , وما شد وهد , ومن العقل العجيب الذي يحكم من الإنسان تركيبا عصبيا مجنونا ثائرا قد استبانت فيه الحيوانية من كل ذلك وما إليه مزيج هو بقدرة الله أشبه , ولكنه فوق ضعفنا وحيلتنا , فلن نرى منه في الكون إلا شكل الحيرة ومعناها , والفوح بالغفلة عنها والسرور بإنكارها أو المكابرة فيها , والحيرة لا نفى ولا إثبات , ومتى يطلب الإنسان الحقيقة وهو جزء منها لا يقف إلا على جزء منها , فالمشكلة متحركة إلى كل جهة حق لا تذهب عنها لتنساها إلا وأنت ذاهب بها لكيلا تنساها .
السماء سماوات , والأرض أرضون , والأكوان عداد العقول , وكل أمل في رأس مخلوق يزيد عنده الدنيا أو ينقصها ويغير من الخليقة ويبدل , وكل إنسان في كل يوم هو إنسان يومه ذلك , فكأن كل حي من كل حي غلطة . وآمالنا كأرقام الساعة : هي اثنا عشر رقما محدودا , ولكنها في كل دقيقة هي اثنا عشر رقما فلن تنتهي .
والحياة خداع وغرور , وزيغ وخطأ , وعمل وعبث , ولهو ولعب , ومهزلة وسخرية , والناس كالأرقام تخط على هذا التراب ثم يقال للعاصفة : اجمعي واطرحي وحلي المسألة .....
وأين كل ما صبته الشمس والكواكب من نيرانها , وما أخرجته فصول الأرض من وشيها وألوانها , وما هتفت به الطير من أغاريدها وألحانها , وما تلاطمت به الدنيا من أمواج إنسانها ؟ وأين ما صح وما فسد , وما صدق أو كذب , وما ضر أو نفع , وما علا أو نزل ؟ في كل لحظة تمتلئ هذه الدنيا لتفرغ , ثم تفرغ لتمتلئ , وماضيها ومستقبلها مطرقتان يمر بينهما كل موجود لتحطيمه .
وكأن الحياة ليست أكثر من تجربة الحياة زمنا يقصر أو يطول , وما العجيب أن لا تفلح التجربة في أحد , ولكن العجيب أن لا تنقطع وهي لا تفلح .
والعالم كالبحر من السراب يموج به أديم الأرض بما رحبت ثم لا تملأ أمواجه ملعقة , والحقيقة في كل شيئ لا تزال تفر من تحليل إلى تركيب ومن تركيب إلى تحليل . لأن شعور أهل الزمن بالزمن لا يحتمل المعنى الخالد .
ولعل سبب الموت أنك لا تجد إنسانا يعيش في حقيقته الإنسانية . فلا هذه الحقيقة يسرت له كاملة ولا هو خلق لها كاملا . وفي الإنسان كالطبيعة أرض وسماء ......
فتراه لا يتغشاه مما فوقه غير الظل وقد خلق مقسوما , فشقة ( قسم ) منه في أرضه وشقة في سمائه , فإذا حضره الموت ضرب الضربة بين هاتين فأخذت السماء السماء وجذبت الأرض الأرض .
البرق الإلهي ملئ الكون , يلتمع ويخطف , ولكنه من الإنسان كشعلة تتوهج في غرفة أرضها وسقفها وحيطانها من المرايا وليس في هذه الغرفة إلا هذا الضوء ورجل أعمى .
فلا سخرية ولا ضلالة ولا عبث ولا خداع إلا في أسلوبنا الإنساني المبنى على حواسنا .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق