الاثنين، 11 أكتوبر 2010

اصحى يا نايم ३ ... المسحراتي والكوكب الأزرق


المسحراتي والكوكب الأزرق

لو فاتك الجزء الأول والتاني من ( اصحى يا نايم ) ماتشغلش بالك ... مش مشكلة ... ممكن تقرأهم بعدين
علي ........ إحنا اتفقنا إن إحنا لازم نستخدم عقلنا وروح الإبداع اللي جوانا في كل حياتنا
دلوقتي إنت عايز تشوف أولادك , وتعملهم مفاجأة جميلة , بس من غير ماحد يشوفك علشان ماتتحرمش من اللحظات الجميلة دي ...... صح ؟؟؟؟ وريني بقى يا فالح هاتعمل كدة إزاي ؟؟؟
هكذا كان ( أبو أحمد) يحث صديقه , ويكرر عليه ما اعتاد أن يسمعه إياه في كل مرة يجمعهما برنامج الشات ,أو مقهي ( بلال )
كان دائما ما يكرر علي أسماعه أننا في هذه الأوقات لا نحتاج إلي تكرار التجارب الناجحة للسابقين وحسب بل إننا في أمس الحاجة إلى التذوق , ومن ثم التغيير والإبداع في محاولة لرسم مستقبلنا , في شتى المجالات وفي مختلف الفنون والعلوم , كانت كلماته تنزل علي أسماعه كالصاعقة التي تحطم كل أصنام الواقع الذي كان من حوله
تلك الأصنام التي كان – في الحقيقة – يقدسها لا إراديا لا لشيئ إلا أن جميعها يشبه صورا جميلة جليلة عالقة في ذهنه , يشبهها فقط من الخارج , ولكن العقول قد تبلدت وتحجرت , لم تصبح كلمات ( تذوق ) أو (إبداع ) أو ( تجديد ) أو ( المشاركة في التغيير ) لها مكان في قاموس تلك الزمرة من الأصنام ,أراد أن يصرخ فيهم :
يا قوم أريد أنا أري أولادي , ففي أعينهم أرى مستقبلي , ومنذ فقدتهم لم أعد أرى ذلك المستقبل , ولا أشعر بقدومه , ولا أتحسس محاسنه , ولم أعد أيضا أستطيع أن أحذر أيامه الحالكة السواد , بل الطامة الكبرى أني لم أعد أبدا أتذكر الماضي البعيد أو حتي القريب , المليئ بالذكريات الجميلة معهم , لم أعد أستطيع أن أجتر تلك الذكريات , والتمتع بعبيرها واصطفاء ما يساعدني علي الخروج من هذه الحالة الكئيبة من العزلةالتي أنا عليها منذ فترة
أليس منكم رجل رشيد يدلني كيف أستطيع ؟؟؟ كيف أقدر على استشراف ذلك المستقبل المجهول ؟ وأن أنهل من تلك الذكريات حتى يربط الله على قلبي ؟
لم يلق منهم جوابا إلا كتلك الكلمات :
لا لا ليس ذلك من شأننا ف ( إننا علي نهج أباءنا نسير )
و( علي أثار خطي الأوائل ندوس )
و( علي نهج أسلافنا ندعو )
أخذوا يرددون و يكررون تلك الترهات , والتي كان يراها باطلا في مسلاخ حق
فما من أحد – وهو منهم – إلا و يحفظ لهؤلاء السابقين فضلهم و إخلاصهم , بل كان الذي يزعجه و يبعث فيه روح التمرد ,أنه اكتشف أنه أمام تلك الأصنام قد فقد القدرة علي أي شيئ إلا التقليد والمحاكاة والعزلة ومخاصمة كل ما لا ينتمي من قريب إلي تلك الزمرة , وفي نفس الوقت أراد أن يسألهم واحدا واحدا :
(ألم تدس علي أثار أقدامهم ؟ لما لم تصل إلي ما وصلوا إليه ؟)
(فالعيب حتما فيك أنت لا فيهم)
إلا أنه من جديرما يذكر هنا , أنه في تلك اللقاءات بينه وبينهم كان دائما ما يلاحظ شيخا وقورا , يشبهه قليلا , نفس لون البشرة , وجحوظ العينين وحزنهما
كان شيخا كبيرا , ذو لحية يغلب عليها اللون الأبيض , طويل الأنف رفيعها , كان يرتدي لباس القوم ولكن كان مختلفا عنهم تماما , لم يحدث أبدا أن تجاذب أطراف الحديث مع ( علي ) ,أو حتى التعليق علي كلامه, ولكن كان غالبا ما ينظر إليه مشفقا مترجما هذا الإحساس بالشفقة بابتسامة رقيقة تتسرب من بين شفتيه, كان لا يشك أبدا منذ وقعت عليه عيناه أنه لا محالة مشرف علي الموت , من الشحوب الظاهر علي وجهه والذي لا يفارقه أبدا, وكان يظهر بينهم بمظهر السيد , كانوا يعظمونه , ويخلعون عليه ألقابا جمة تعبر عن تقدمه عليهم في العلم والفضل , مع أنه كان أقلهم كلاما وضجيجا ونحيبا , علي الرغم من أنه كان الوحيد الذي كان يهش في وجه المسكين ( علي )
وكان ( علي ) قد قرر أن يتمرد , ويقرأ , أحس في بداية الإطلاع والقراءة أنه يفعل الأفاعيل , وأنه مغرق في الموبقات
كانت من أولى الكلمات التي قرأها , كلمات أزاحت الغشاوة قليلا من أمام عينيه فرأى لأول مرة معان جديدة , كالتصالح مع الذات ومع الأخر , رأي قيمة الإبداع في خلق الحضارة , عرف أن الإنسان لم يخلق في هذه الحياة للعبادة وفقط , بل الرسالة الأولي , والدورالأعظم الذي لا ينبغي له أن يحيد عنه , هو إعمار تلك الأرض التي خلقها الله له , لا لشقاءه بل لسعادته , ولم يتركه هكذا , ولكن بعد فترة من مكوثه فيها أرشده إلي الطريقة التي إن سلكها , فهو بذلك يحقق الهدف الأسمى له من وجوده في تلك الهدية الربانية
الأرض
وكأنه قد قال له :
هذه هديتي لك .... قم بالحفاظ عليها أولا ثم اجتهد في تغيير كل ما سيعتريها من قبح من صنع يديك, والإبداع في تحسيينها وعمارتها , وهذا هو المرشد إليك في هذا الطريق الطويل , إن سرت علي هذا النهج القويم , فإنك ستهتدي إلي حكمتي في إهدائك تلك الهدية , وإلا تفعل تكن فتنة في الأرض , وسيحل عليك غضبي , وسأحرمك نصيبك من تلك الهدية العظيمة , وهي بين يديك , وسيفوتك أيضا , الهدية العظمى الأخرى التي
أدخرها لك, لم ترها ولن تر مثلها أبدا , ولن يستطيع عقلك علي تصور ما فيها ومن فيها , تلك هي جنتك , التي لن تنعم بها وفيها , إلا بتنفيذ وعدك بأنك ستعمر هذه الأرض التي تعيش عليها الأن , وتقيم الحضارات
وتبدع وتجدد , ولا تظلم , ولا تطغى
وعندما تزيغ شيئا ما عن ذلك المنهج , وإن فاتك جزء من تنفيذ تلك الوصية , لا تنزعج وقتها عد إلي ر شدك , وابحث عن الدليل مرة أخرى حتى ترجع إلي نفس الطريق وخذ حذرك فإن لك في الدنيا فترة قصيرة من الزمن لا يغرنك أن عمرت فيها , ولا يغرنك بالله الغرور
تلك المعاني الجميلة أو إن شئت قلت تلك ( الشفرة ) هي بحق ( لغز الحياة علي كوكب الأرض )
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)
يا الله................... كم هو شرف أن يخلع الرب الملك ذلك اللقب علي عبده........ وأن يضع على عاتقه سد هذا الثغر......... الخلافة في الأرض
ولكن .....
انتبه (فجأة) إلي قوله :
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
وهنا ارتبك ( علي ) بعض الشيئ , أليكون خليفة في الأرض , أو ليحقق العبودية له وحده سبحانه ؟؟؟
وبهدوء قال في نفسه :
نعم قد خلقت لأكون خليفة في الأرض وأعمرها وفق منهج محدد وبذلك قد فعلت ما يريده الله ويرضاه مني ومن ثم فقد عبدته وحده عز وجل حق عبادته إن أنا فعلت ذلك , فالعبادة هي كل ما يريده الله ويرضاه من كل فعل وقول أمرنا به وحثنا عليه
وتأكد أن من يزعم أنه قد عرف منهج الله عز وجل وتحققه وتحقق فيه من غير الوصول إلي ذلك الهدف الأسمى والأعظم ألا وهو تحقيق الخلافة في الأرض , إنما حاله كحال رجل ارتحل إلي مكان بعيد في صحراء مقفرة , قاصدا هدفا جليلا , وقد رافقه في ذلك دليل عارف بأغوارها ووحوشها وهوامها , وكان كلما تعب ذلك الرجل ومل من طول الطريق وبعد الهدف وقلة الزاد , أصابه اليأس واكتفى بأن يتشبث بذلك الرجل الحاذق العارف قائلا له :
يكفي ذلك ..... يكفيني أنك معي
فيرد عليه الرجل قائلا ؟
لقد جلبتني معك لا لتضمني إلي صدرك وتأنس بقربي منك وتتبرك بي , وإنما لأرشدك إلى هدفك .
فيقول له : لالالا................ قد تعبت ومللت يكفيني ذلك
فيصيح به ذلك الدليل الناصح : لك هذا ... ضمني إلي صدرك كيف تشاء وأنس بقربي كما تحب ...ولكن انهض من سباتك هذا واتبعني ........ فقد لاح مرادك علي مرمى البصر ....هيا ...... قم
لا لا أنا سأخلد إلي الأرض لن أقوم ... فلم يعد بوسعي أن أنهض ... فقد استمرأت البطالة
يكفيني أن أعلم غيري كلماتك تلك ....... حتي إن تركتني وحيدا سوف أنس بهم في وحشة تلك الصحراء , سيلتفون حولي مرددين ما أتلوه عليهم من كلماتك متراقصين كالبندول يمنة ويسرة
فأنا لا أستطيع أن أعود من حيث أتيت , ولا أن أمكث علي تلك الحال وحيدا , دونما أقوام أعلمهم وأتسامر معهم , فقد جعلني حفظ كلماتك الجميلة أحب الرياسة والإمامة كثيرا
ولن أشغل ذهني وعقلي بالبحث عما ورائها من معان ومقاصد , أنا أهوى الأصوات والأصداء
فيبتسم ذلك الدليل ابتسامة تعبر عن حسرته وصدمته في ذلك الرجل , فقد خاب ظنه فيه , وأخذ يردد في نفسه
قبحك الله في الدرب من رفيق
تبصر الغاية جيدا
ولكن لا تقوى علي المسير
يالك حقا من شرير
قد كنت أظنك ونحن نسير معا
وانت تردد كلماتي التي علمتك إياها
أنك أنت السميع البصير
ولكن.... يا حسرة عليك كم عانيت من الغرور
جعلتك كلماتي تبدو كالأحجار الكريمة
تمتع الأنظار ولكن لا تجدي وقت النفير
أذكرك حين كنت تعتني بكلماتي
تتعلمها واحدة واحدة ...حرفا حرفا
قد بعتها بثمن بخس فيالك الأن من فقير
أتذكر حين كنت أعلمك إحدى كلماتي
وقتها كنت تسألني كيف أنطق ( الجيم )
أدلك ...... وما إن تتقنها فتبادر ( فالهاء ) و( المد) ؟؟
أبين لك .....ثم تسارع ( فالدال ) ؟؟
أخبرك ..... ثم أقول لك هل تعلم معناها ؟؟
لم تعرني بعدها اهتماما وكأنك لا تعرفني
بل أخذت تصدر صريرا كالصفير
كم هي جميلة تلك الأصوات ولكن
حملتها ثم لم تحملها فأصبحت تحمل أسفارا كالحمير
عد إلي رشدك ولا تهجرني وإلا سأظل ألعنك
سأستغفر لك ربي إن رجعت وحفظت كلماتي حق الحفظ
وإن أصررت علي غيك وضلالك
أبشرك غدا بهول السعير
ليت شعري..... مادهاك أيها الرجل
يالك حقا من شرير
فتململ المسكين وقال معجبا
اتركني فقد فرغت توا من حفظ كلماتك
فرغت من عدها وإحصاءها جيدا حتي لا تتفلت مني
لم أعد بحاجة إليك .... ها هي كلماتك في صدري وفي قلبي المنير
.....................................
بئس القلب قلبك ....... وبئس القرين أنا إن أبقيت فيه كلماتي
وأريد أن أقول لك شيئا ... قلبك هذا قريبا سيتوقف عن الخفقان
وسرعان ما ستعاني من كل منغص ومكدر ومرير
سحقا لك والله........ إنك لرجل شرير
ليس لك نصيب من قربي إلا بقايا عطري الذي التصق بثيابك , وسرعان ما سيزول وانت علي تلك الحالة المذرية , وسرعان ما سأمر عليك بعد أعوام ومعي أقوام يسترشدون بي إلا أنهم ليسوا مثلك سيمرون عليك لن يلقوا عليك السلام غالبا , ولن يلفت انتباهم عطري الذي تركته ملتصقا بثيابك ولحيتك
لن ينتبهوا وهم في طريقهم الحميد وحجهم المبرور إلي هدفهم العظيم إلا إلي رائحة نتنك
لم يصبهم في رحلتهم تلك إلا أذاك وقد استحلت إلي جيفة
وعلي الرغم من ذلك ......
سيقوم كل رجل منهم بإمساك تلك الجيفة التي ماهي إلا بقايا متعبد بطال
سيمسكها بيد واحدة واليد الأخرى سيظل محكم بها في غلق أنفه وسيوارونها التراب
ليس أبدا لستر عورتك ..... كلا ..... أبدا
ولكن إكراما لإخوانهم الذين من خلفهم
فهم لا يريدون أن يصيب إخوانهم على تلك السبيل الطاهرة من أذاك ما أصابهم هم من ذلك الأذى
ولا أعرف أسيصلون عليك أم سيأنفون
وأخذ ( علي ) وهو يقلب ذلك السفر العظيم ( لغز الحياة على كوكب الأرض ) يتفكر ويتأمل , ويقول في نفسه ولنفسه :
انظر إلي رحمة الله بك
أخبرك وقال لك لقد خلقت لك أنت ذلك الكوكب الأزرق الجميل
أنت خليفة فيه
ولم أتركك وحيدا ولكن هذه أنيستك وجليستك في تلك الرحلة الطويلة , هي رفيقتك , وسترزق منها أولادا, ويكون لك أحفادا , حتما فأنت لا ولن تستطيع أن تعيش وحدك فقد جبلتك علي الإجتماع وألهمتك حب التحضر والعمران
وعندما تطاول عليك العمر وأخذت في النسيان شيئا فشيئا لم أصب عليك لعناتي و لكني كنت عليك صبورا
كنت رحمانا رحيما
أنا أعرف أنك قد نسيت عهدك ولكني لن أتركك وحيدا وسأذكرك بذلك العهد
هؤلاء رجال صالحون مصحلون من جنسك , سأبعثهم لك ليأخذوا بناصيتك أخذ الكرام إلي طريقك الذي فقدته
وليس ذلك فحسب........
ولكني عندما أبعث لك بأخر رسلي من هؤلاء الصالحين - ليس لك وحدك ولكن للناس أجمعين- ومعه خير دليل لك في رحلتك , فإنه لن يترك كل خير إلا وسيدلك عليه ولن يذر أي شر من شأنه أن يعكر شيئا من أمور دنياك وأخرتك إلا وسيحذرك من القرب منه , وعندما يفارقك هو , فلن يفارقك ذلك الدليل الذي بعثته لك به وسيظل معك سراجا منيرا
يا لعظمة الله وجلاله ورحمته ولطفه ووده
نعم هو ودود ........ يا الله كم هو اسم جليل عظيم الشأن
الودود
سبحانك اللهم يا ودود
وتذكر قوله عز وجل :
( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة )
خرج ( علي ) من ذلك السفر الجميل بالفائدة , وأخذ معه الشفرة وكأنها كانت
( الرمز المفقود )
لا ......بل كان مفقودا
وكم هو مفقود لكثيرين غيري
سأرشدهم إليه بكل ما أوتيت
فليس الخير في رجل قد عرف سبيل النجاة وأثر به نفسه
أيقن ( علي ) أنه لابد من إعمال العقل وشحذ همته حتى ينفض ما عليه من مفاهيم الماضي البالية حينا , والمشوشة أحيانا كثيرة
فلولا العقل ما كلف بحمل تلك الرسالة الجليلة , فنعم المرسل ونعمت الرسالة , ونعم المحل المستقبل لتلك الرسالة
إذا فالعقل أولا
به - مستعينا بالله الذي خلقه له - سوف يعمل
به سوف يتواصل مع من حوله من أجل خلق مجتمع طيب تسوده نفحات التغيير والتجديد والإبداع
به سوف تخلق الحضارة التي هي مفهوم من مفاهيم الإعمار والخلافة ومن أهم مظاهرها ومرادفاتها
به ستولد الأمة من جديد
فلن تولد الأمة إلي من رحم الإبداع في كل شيئ ونبذ التقليد
وحينها تذكر ( علي ) أنه لابد أن يفكر مليا حتي يتثنى له رؤية أولاده وزوجته من حيث لا يراه أحد
وتذكر هؤلاء القوم فمنذ فترة كان معهم , ولكن عندما اشتدت به الحاجة إليهم تركوه وحيدا
إن موسم الطاعة قد اقترب ولسنا بحاجة إلي سماع قصصك المؤثرة المبكية
نريد أن نحتفظ بتلك الدموع لنريقها بين يدي ربنا ونحن بين هذه الأعداد من الجماهير الغفيرة , انظر كيف ينتظروننا على أشد مايكون الشوق ؟
لسنا تافهين مثلك
ثم إننا لا نملك من أثار أسلافنا ما نحكم به في حالتك هذه , وليس لدينا القدرة ولا النية الأن على الاجتهاد أو حتى القياس
مالنا نحن ولأولادك , دعنا....... ولا تشغل نفسك بالمستقبل فإن المستقبل بيد الله ولا قدرة لبشر على استشرافه كما تزعم , ولا حتى مجرد التخطيط له كما نفهم من كلماتك التافهة , وأنفاسك المتهافتة
دعنا فنحن منهمكون في تأليف بعض الكلمات التي نتمنى أن ندغدغ بها مشاعر جماهيرنا الغفيرة , ومن إعداد الخطب و البرامج المفيدة علي شاشات فضائياتنا الجديدة لعلنا نحظي بأكبر قدر من الإعلانات في موسم الوعظ القادم ....
لا يوجد لدينا وقت للتفكير , إرحل عنا
خاصة وأن أسألتك هذه الأيام أصبحت أسألة غريبة لم نعتدها منك , تارة تقول هل لي أن أقرأ
( لتولستوي )و( دوستوفيسكي ) و( لباولول كويلو ) و ( جارسيا ماركيز )؟؟؟ من هؤلاء الرجال ؟؟؟
وتارة أخرى تتسائل عن أقوام لم نقرأ أسماءهم في كتبنا
من ( علي طنطاوي ) هذا ؟؟ ومن ( العقاد ) ؟؟ و ( الرافعي )؟؟
من ( الخوارزمي ) و ( الجبرتي الكبير ) و( بن سينا ) وهذا المجنون ( بن فرناس )؟؟؟؟
من ( أينشتاين ) و ( نيوتن ) و من ( بنيامين فرانكلين )؟ ... يبدو أن هذا الأخير هو سبب نكستنا التي نحن فيها الأن ؟؟
وعندما وصل بك الحال إلي أسوءه , وصعدت إلى سقف الجريمة , تذكر لنا بعض الأشعار التافهة لإمرأة تدعي ( عائشة التيمورية ) وهي تنتتحب على فقد ابنتها
وبالمناسبة من هو ( بن خلدون ) و( الغزالي ) و( بن رشد )؟؟؟؟؟؟؟
إن كانوا رجالا من التاريخ فنحن لا نعلم من هذا التاريخ إلا أسماء حكامنا العظماء على مر العصور وإلى وقتنا هذا .......... هذا هو التاريخ الأجدر بالقراءة
تاريخنا تاريخ القصور وساكنيها , وليس تاريخ من انشغل بسفاسف الأمور وأتفهها
تاريخنا تاريخ من بيده الأمر , ومن يجب علينا طاعتهم , أو على الأقل أمن مكرهم وشرهم إن هم فسدوا
ونحن إذ نقرأ تاريخهم لا يعنينا ألبتة أن نغير من حال إخوانهم في المستقبل , لا لشيئ إلا لأنهم تركونا وشأننا
هم في حالهم ونحن في حالنا
هم يقومون على أمرنا وأمر الأمة جميعا , ونحن نرد لهم الجميل في ذلك طبعا بإغراق عموم الناس فيما يشغل أدمغتهم الخاوية عن هؤلاء الحكام وفقهم الله لما يحبه ويرضاه , ونفع الأمة بهم جميعا
من المؤكد أن روايات هؤلاء الذين ذكرتهم أنفا, وكلامهم وسيرهم هو من حملك على سوء التأدب معنا , فلم تعد تقبل رؤوسنا وأيدينا حين تلقانا كسابق عهدك , وكثيرا ما تشتد نبرة صوتك ويعلو في حضرتنا , والغريب أنك لم تعد تتمسح بنا في مجالسنا الخاصة
ارحل عنا ...... ولكن انتظر قد تذكرنا شيئا مهما الأن
من فرط حالتك البلهاء السازجة التي أنت عليها تلك الأيام , جئت إلينا قريبا مستفسرا
هل لك أن تقرأ بنفسك ( لشيخ الإسلام ) (وبن القيم ) ( وبن رجب ) ( وبن الجوزي ) وهؤلاء ؟؟؟؟
والإجابة ببساطة أنك لن تستطيع أن تقرأ بنفسك لهؤلاء العمالقة فنحن فقط من نملك الشفرة الجهنمية لحل طلاسم كلماتهم الغامضة , ولن يكون لك نصيب من خير هؤلاء إلا ما نلقنك نحن إياه , ولن تنعم بذلك إلا في حضرتنا , أو عن طريق الإتصال بأرقام الهاتف المبينة أمامك علي هذه الشاشة الجميلة , أو علي الأقل يا مولانا ابعث لنا ب ( اس ام اس ) لعلك تفيد أو تسفيد
الأن تستطيع أن ترحل فلقد أضعت الكثير من أوقاتنا المحجوزة لغيرك , وأنحلت أجسامنا السمينة من كثرة المراء والجدال
كان ذلك الشيخ ذو الوجه الشاحب , والذي كان يشعر ( علي ) أنه أقرب من عالم الأموات منه إلي دنيا الناس , كان ينظر إليهم وهم يعنفونه , وعندما يأتي الدور علي ( علي ) في الكلام أو بالأحرى في الصراخ
كان ينتقل ببصره إليه سريعا , ولسان حاله يقول :
يا لهذا الفتى ........يذكرني بحالي وأنا في نفس عمره
إلا أنه يبدو وكأنه قد اقترب من معرفة الحقيقة التي علي الرغم من أني كنت أعرفها حق المعرفة , إلا أنني اكتفيت فقط بالإشارة إليها من بعيد , والتلميح لها والتورية عنها
وأنا ايضا لم أكن أبصرها بأبعادها المختلفة , كنت فعلا أنظر إلي الحقيقة بمنظور واحد وهذا هو الفرق بيننا
وها أنا ذا أشرف علي الموت ولم يتحول بصري عن ذلك الوجه الأوحد من تلك الحقيقة
ثم انتبه الشيخ من شروده هذا على وقع صرخات ( علي ) :
نعم ..... سأرحل عنكم فمنذ اليوم لم أعد أعرفكم , في الحقيقة قد رحلت عنكم منذ أمد بعيد ولكني كنت معكم فقط ببدني دون روحي وعقلي , أما الأن فما كان لبدني أن يخالط هذه الأبدان الممتلئة المترهلة وتلك الكروش البارزة المضطربة
وفي طريقه إلى المغادرة , وهذا الوداع الأخير إلى عالم الحقيقة لاحظ شيئا غريبا جعله يبطئ من خطواته إلي مغادرتهم
ذلك أنهم جميعا قد انصرفوا , إلا ذلك الشيخ المحتضر ظل جالسا ينظر إليه وهو يغادر , مما جعل ( علي ) يضطر إلى الحد من خطواته فاجأة والإلتفات إليه
فإذا بالشيخ الكبير الهزيل , يحاول النهوض جاهدا , حتى إذا استوى قائما وخطى بعض الخطوات المترنحةتجاهه , وما إن تواجها , حتى سمعه يهمس إليه بلهجة رجل مودع وبنظرات الوالد الموصي ولده , سمعه يقول له وهو على نفس الابتسامةالمعهودة في تلك المجالس السابقة
يا بني : ابحث عن ( أبي فهر ) , فمنذ أن فارقنا وأنا مع هؤلاء القوم علي حالتنا هذه
ثم سرعان ما سقط ذلك الشيخ مغشيا عليه بين يدي ( علي )
أحس بعدها أن الأمل الوحيد الباقي قد تلاشى وتلك الابتسامات الرقيقة قد حرمها للأبد , ولم يبق من ذلك الأمل وتلك البشاشة الحنونة إلا هذه الكلمات الأخيرة
ثم وبرفق وإجلال أسلم ( علي ) ذلك الجسد إلى الأرض , ثم انصرف باكيا
وأخذ يفكر .....في الحقيقة منذ أن فارقهم وهو يفكر
شهر رمضان علي الأبواب
كم يحب ولداه ذلك ( المسحراتي )
كم هو مشتاق إليهما
قرر أن يهديهم تلك الهدية في ذلك الشهر الكريم
وأخذ قلبه يخفق بكلمات لا يدري كيف ومتى أبدعها خياله
أيا أهلي ويا وطني عيون القلب تهواكم
أراكم في مخيلتي وأبدا لست أنساكم
فإن عز اللقاء غدا حنانيكم ورحماكم
خذوا عيني لتنظركم وردوها لأرعاكم
فأبدا لست أعشقها ولكن أهوى رؤياكم
أنين البين أرقني ففكوا قيد أسراكم
سأتيكم بغير هدى وأسعد حين ألقاكم
أوان الصوم موعدنا سأسعى عند مسعاكم
أقوم الليل مبتهلا ولن أترك مصلاكم
أسحركم بليل فيه مولاي ومولاكم
يبشركم بعتق رقابكم منها فبشراكم
أصوم القيظ مرتحلا لعلي ألقى مثواكم
نجوم الليل أرقبها تؤنسكم بمسراكم
وألقي يداي ضارعة لرب العرش يرعاكم
سأسعد حين ألقاكم
قرر أن يتنكر مرتديا زي المسحراتي ولكن ليس كأي مسحراتي يعرفه الناس قبل ذلك الزمان
وإن شاء الله لهذه القصة بقية ... المرة اللي جاية


محمود علي ... في 7 / يونية / 2010 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق