أحمد وعبدالله
لقد طالَ عليَّ الليلُ حتَّى مَللتُه , ولكنَّني لا أسألُ اللهَ أنْ ينفرجَ لي سوادُه عن بياضِ
النَّهار , لأنَّ الفجيعةَ التي فُجِعْتَها بفقدِكُما لَمْ تُبقِ بين جنبي بقيةً أقوى بها على رؤيةِ أثرٍ
من آثارِ حياتِكما , فليتَ الليل باقٍ حتَّى أرى وجهَ النَّهار , بل ليتَ النَّهار يأتي , فقد مللتُ
هذا الظلام.
النَّهار , لأنَّ الفجيعةَ التي فُجِعْتَها بفقدِكُما لَمْ تُبقِ بين جنبي بقيةً أقوى بها على رؤيةِ أثرٍ
من آثارِ حياتِكما , فليتَ الليل باقٍ حتَّى أرى وجهَ النَّهار , بل ليتَ النَّهار يأتي , فقد مللتُ
هذا الظلام.
لقد افتلذَ كلٌ مِنْكُما مِنْ كَبِدي فلذةً فأصبَحَتْ هذه الكَبِدُ الخَرقاءُ مُزَقاً مبعثرةً في
زوايا الأرض , ولمْ يبْق لي منها إلا قليلٌ من الدِّماء لا أحسَبُه باقياً على الدَّهر , ولا أحسبُ
الدَّهرَ تاركُه دونَ أنْ يذهبَ بِهِ كَمَا ذَهَبَ بأسلافِه.
لماذا ذَهبْتُما بعدَ ما جِئْتُما ؟ ولماذا جِئْتُما إِنْ كُنتُما تعلمانِ أنَّكُما لا تُقيمان ؟
لولا مجيئكما ما أسِفْتُ خُلوَّ يدِي مِنكُما , لأنني ما تعودتُّ أن تمتَدَّ عَينيّ إلى ما ليس في
يَدِي , ولو أنَّكُما بَقِيتُما بعدَ ما جِئتُما ما تَجرَّعتُ هذه الكأسَ المريرةَ في سبيلِكُما.
يَدِي , ولو أنَّكُما بَقِيتُما بعدَ ما جِئتُما ما تَجرَّعتُ هذه الكأسَ المريرةَ في سبيلِكُما.
لقد كنتُ أرضى من الدهرِ في أمرِكما أن يتزحزحَ لي عن طريقي التي أسيرُ فيها , وأن
يَزوِي وجهَه عنّي فلا أراه ولا يراني , ولا يُحسنُ إلىَّ ولا يسئ ولا يتقدَّمُ إليَّ بخيرٍ ولا
شَرّ , ولا يتراءى لي مبتسمًا , ولا مقطباً , ولا ضاحكاً , ولا باكياً , لو أنَّه رَضِيَ مِنِّي
بذلك , ولكِنَّه كانَ أذكى قلباً , وانفذَ صَبرًا , من أن يفوتَه العلمُ بأَنَّني ما كنتُ أبكي على
النِّعمةِ لو لم تكُن في يدِي , وما كنتُ أجدُ مرارةَ فقدانِها لو لم أذُق حلاوةَ وُجدانِها , وكان لا
بدَّ له أن يجري في سنَّةِ الشقاء التي أخذَ على نفسِه أن يجريَها في الناس جميعاً , فلمَّا عَجَزَ
عن أن يدخُلَ إلىَّ من بابِ الطَمَع , دَخَلَ إلىَّ من بابِ الأمَل , فهوَ يمنحُني المِنحةَ فأغتبطُ
بها حِقبةً من الدَّهر , حتى إذا عَلِمَ أنَّ بِذرةَ الأمَلِ التي غَرَسَهَا قد نَمَتْ وازْدَهَرَتْ وأنَّني قَدِ
استَعذَبْتُ طَعْمَهَا واستطبتُ مَذَاقَهَا , كَرَّ عَلَىَّ فانتزَعَهَا مِن يدِي وقد كُنتُ
أنعمَ ما أكونُ بِهَا , كَمَا تَنْزِعُ الكَأسَ البارِدَةَ من يدِ الظامئ الهَيْمَان , لَيَعْظَمَ وَقْعُ السَّهْمِ فِي
كَبِدِي , وَيَفدَحَ سَلبُ النِّعْمَةِ مِن يَدِي , ولولا ذلكَ ما نالَ مِنِّي مَنَالا , ولا وجَدَ إلىَّ سَبِيلا .
يَزوِي وجهَه عنّي فلا أراه ولا يراني , ولا يُحسنُ إلىَّ ولا يسئ ولا يتقدَّمُ إليَّ بخيرٍ ولا
شَرّ , ولا يتراءى لي مبتسمًا , ولا مقطباً , ولا ضاحكاً , ولا باكياً , لو أنَّه رَضِيَ مِنِّي
بذلك , ولكِنَّه كانَ أذكى قلباً , وانفذَ صَبرًا , من أن يفوتَه العلمُ بأَنَّني ما كنتُ أبكي على
النِّعمةِ لو لم تكُن في يدِي , وما كنتُ أجدُ مرارةَ فقدانِها لو لم أذُق حلاوةَ وُجدانِها , وكان لا
بدَّ له أن يجري في سنَّةِ الشقاء التي أخذَ على نفسِه أن يجريَها في الناس جميعاً , فلمَّا عَجَزَ
عن أن يدخُلَ إلىَّ من بابِ الطَمَع , دَخَلَ إلىَّ من بابِ الأمَل , فهوَ يمنحُني المِنحةَ فأغتبطُ
بها حِقبةً من الدَّهر , حتى إذا عَلِمَ أنَّ بِذرةَ الأمَلِ التي غَرَسَهَا قد نَمَتْ وازْدَهَرَتْ وأنَّني قَدِ
استَعذَبْتُ طَعْمَهَا واستطبتُ مَذَاقَهَا , كَرَّ عَلَىَّ فانتزَعَهَا مِن يدِي وقد كُنتُ
أنعمَ ما أكونُ بِهَا , كَمَا تَنْزِعُ الكَأسَ البارِدَةَ من يدِ الظامئ الهَيْمَان , لَيَعْظَمَ وَقْعُ السَّهْمِ فِي
كَبِدِي , وَيَفدَحَ سَلبُ النِّعْمَةِ مِن يَدِي , ولولا ذلكَ ما نالَ مِنِّي مَنَالا , ولا وجَدَ إلىَّ سَبِيلا .
إنْ قُدِّرَ لَكُمَا أن تُفارِقا هذه الدنيا و تَتَلاقَيا في روضةٍ من رياضٍ الجَنَّة , أو على شَاطِئِ
غَدِيرٍ مِن غِدرانِها , أو تحتَ ظِلالِ قَصرٍ مِن قُصورِها فاذكُراني كَمَا أذكُرُكُما , وقِفَا بينَ
يَدَي رَبِّكُمَا صَفَّاً واحِدًا كَمَا يَقِفُ بينَ يديه المصلون ومُدَّا إليه أكفَّكُمَا الصغيرةَ كَمَا يَمُدُّها
السائلون , وقولا له :
اللهم إنَّك تَعلمُ أنَّ هذا الرجلَ المِسكِين كانَ يُحِبُنا وكُنَّا نُحِبُه , وَقد فَرَّقَتْ الأيامُ بينَنَا وبينَه ,
فهوَ لا يزالُ يلاقِي مِن بَعدِنَا شَقَاءَ الحياةِ وبأسائِها ما لا طاقةَ لَه باحتِمَالِه , ولا نزالُ نَجِدُ
بينَ جوانِحِنا مِن الوَجدِ بِه , والحنينِ إليه , ما يُنَغِّصُ علينا هناءَ هذه النِّعمَةِ التي نَنْعَمُ بِهَا
فِي جِوارِك بينَ سَمْعِكَ وبَصَرِك , وأنتَ أرحمُ بِنَا وبِه مِن أن تُعذِّبَنَا عذاباً كثيرًا , فإمَّا أن
تأخذَنَا إليه أو تأتيَ بِه إلينَا .... لا , بَل لا تطلبا مِنه إلا أن يأتِيَ بي إليكُمَا .فإنَّ الحياةَ التِي
كَرِهْتُها لِنَفْسِي لا أرضاها لَكُمَا , فَعَسَى أن يستجيبَ اللهُ من دعائِكُما ما لم يستجبْ مِن
دُعائِي فيرفَعَ هذا الستارَ بيني وبينكُمَا فنلتقِي كَمَا كُنَّا .
غَدِيرٍ مِن غِدرانِها , أو تحتَ ظِلالِ قَصرٍ مِن قُصورِها فاذكُراني كَمَا أذكُرُكُما , وقِفَا بينَ
يَدَي رَبِّكُمَا صَفَّاً واحِدًا كَمَا يَقِفُ بينَ يديه المصلون ومُدَّا إليه أكفَّكُمَا الصغيرةَ كَمَا يَمُدُّها
السائلون , وقولا له :
اللهم إنَّك تَعلمُ أنَّ هذا الرجلَ المِسكِين كانَ يُحِبُنا وكُنَّا نُحِبُه , وَقد فَرَّقَتْ الأيامُ بينَنَا وبينَه ,
فهوَ لا يزالُ يلاقِي مِن بَعدِنَا شَقَاءَ الحياةِ وبأسائِها ما لا طاقةَ لَه باحتِمَالِه , ولا نزالُ نَجِدُ
بينَ جوانِحِنا مِن الوَجدِ بِه , والحنينِ إليه , ما يُنَغِّصُ علينا هناءَ هذه النِّعمَةِ التي نَنْعَمُ بِهَا
فِي جِوارِك بينَ سَمْعِكَ وبَصَرِك , وأنتَ أرحمُ بِنَا وبِه مِن أن تُعذِّبَنَا عذاباً كثيرًا , فإمَّا أن
تأخذَنَا إليه أو تأتيَ بِه إلينَا .... لا , بَل لا تطلبا مِنه إلا أن يأتِيَ بي إليكُمَا .فإنَّ الحياةَ التِي
كَرِهْتُها لِنَفْسِي لا أرضاها لَكُمَا , فَعَسَى أن يستجيبَ اللهُ من دعائِكُما ما لم يستجبْ مِن
دُعائِي فيرفَعَ هذا الستارَ بيني وبينكُمَا فنلتقِي كَمَا كُنَّا .
من نظرات المنفلوطي رحمه الله ( 1876 - 1924 ) بتصرف هين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق