الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

الطريق إلى بيت الحكمة 4

نظرة حول كتاب ( بيت الحكمة ) للكاتب جوناثان ليونز

الجزء الثالث
  اجتياح الفرنجة المتخلفين الشرق المتقدم



في "العشاء" يصور الكاتب اجتياح الصليبيين للقسطنطينية عاصمة المسيحية الشرقية، إذ دمر جيش من المتعصبين ضيقي الأفق يقودهم كهنة جهلة "لم تكن لديهم فكرة عن الإسطرلاب، سيد الآلات العلمية آنذاك. وكانت ترعبهم الظواهر الطبيعية كخسوف القمر أو التغير المفاجئ في الطقس، وكانوا يظنون ذلك سحرا أسود".


أرعب وصول هؤلاء المتعصبين الجهلة سكان القسطنطينية. وكانت النتيجة نهب القسطنطينية ودمارها على يدهم.


ثم يسترجع الكاتب تاريخ الحروب الصليبية التي بدأت بنداء البابا أوربان الثاني. ويستعرض ظروف أوروبا الداخلية والحاجات الدنيوية التي أدت إلى إطلاق هذا النداء الديني، الذي أدى إلى انقضاض عالم متأخر بربري همجي على عالم متحضر راق هو العالم العربي.


يلخص الفارس أسامة بن منقذ أحوال الفرنجة بالقول "سبحان الخالق الباري، إذا خبر الإنسان أمور الفرنج سبح الله تعالى ومجده، ورأى بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال ولا غير، كما في البهائم فضيلة القوة والحمل".


ويستعرض الكاتب فظاعات الصليبيين وصولا إلى أكلهم اللحوم البشرية في بلدة المعرة السورية في شتاء 1098م، وينقل عن رودولف دوكان، الذي شهد فظاعات المعرة"، وضع جنودنا كبار الوثنيين في قدور وسلقوهم أحياء، وشكوا الأطفال بأسياخ ووضعوهم على سفود ثم التهموهم مشويين".


ويصف زميله المؤرخ ألبرت فون آخن تفاصيل تلك المذبحة المروعة بلغة عادية فيقول "لم يتورع جنودنا عن أكل ميتة الترك والمسلمين، بل لقد أكلوا الكلاب كذلك".


وتتنوع القصص عن وحشية وتأخر الغزاة، الذين سرعان ما وقعوا ضحية نصرهم العسكري، فتدريجيا انغمسوا في حياة الشرق، وبدأ المسلمون يمدنون الغزاة، ونمت بسرعة مذهلة التجارة بين الشرق والغرب، رغم سعي الكنيسة البابوية لإدانة هذه التجارة ومحاصرتها، وشاع استخدام الأرقام العربية في أوروبا، وانتشرت في الغرب المصطلحات التجارية العربية والفارسية كالشيك cheek، والتعرفة وtariff، والحركة traffic، والترسانة arsenal.


أما الرحالة "آديلارد" فقد رحل إلى الشرق بدافع تحصيل العلم العربي. فقد كانت أوروبا تغرق في الظلام في ذلك الوقت، فهي لا تعرف مبادئ الحساب وبالكاد دخل المعداد من الأندلس قبل سنوات قليلة وعجزت أعظم العقول عن استخدام الصفر.


أدى دخول الإسطرلاب عن طريق العرب إلى ثورة حقيقية في هذا المجال. لكن دخول التكنولوجيا العربية إلى مجتمع جاهل لا يعرف أغلبه حتى القراءة والكتابة عدّ أمرا مريبا وغزوًا فكريا، فاتهم عدد من العلماء بالهرطقة أو بممارسة السحر الأسود.


إنشاء بغداد وإنشاء بيت الحكمة


مقابل ذلك العالم المتأخر كان على الضفة الأخرى للمتوسط عالم ناهض متطور إنسانيا وتقنيا. يفرد الكاتب الجزء الثاني من الكتاب "الفجر" لإنشاء بغداد وبيت الحكمة فيها، فهذه المدينة المدورة قال عنها الخليفة المنصور "والله لأبنينها ثم أسكنها أيام حياتي، ويسكنها ولدي من بعدي، ثم لتكونن أعمر مدينة في الأرض" وكان له ذلك، فبعد قرن من وفاته كتب المؤرخ اليعقوبي وصفا للحياة في مدينة السلام.


وقال في هذا الوصف "إنما ابتدأت بالعراق لأنها وسط الدنيا وصرة الأرض، وذكرت بغداد لأنها وسط العراق والمدينة العظمى التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة وكبرا وعمارة، وكثرة مياه، وصحة هواء ...".


انتشرت في بغداد صناعة الورق، وأول مصنع له عام 795م مما أدى إلى ازدهار النتاج العلمي في حين كانت أوروبا تعتمد الكتابة على جلود الحيوانات. أنشا هارون الرشيد مكتبة ملكية ضخمة سماها "بيت الحكمة" ضمت كل علوم ومعارف العالم وتفرغ فيها علماء للبحث العلمي وأجربت منها أرزاق كثيرة لتمويل المعرفة.


يقول الكاتب "وعلى امتداد 150 عاما، ترجم العرب كل كتب العلم والفلسفة اليونانية، وحلت العربية مكان اليونانية لغة للبحث العلمي، وغدا التعليم العالي أكثر فأكثر تنظيما في أوائل القرن التاسع، وكان في أغلب المدن الإسلامية جامعة من نوع ما ....".


وكانت ذروة الحضارة العربية مع الخليفة المأمون الذي حكم بين العامين 813-833م، وكان حاد الذهن بصيرا بكل أصناف العلوم. جمعت بغداد في عصره كل علوم الكون من علوم الهند واليونان والسريان والفرس والبيزنطيين، إضافة إلى ما بدأ أبناء الحضارة العربية بإبداعه، ومن أشهرهم الخوارزمي الذي بلغ قمما نادرة في الفلك والجبر والحساب، فقد عمل في المسح الصحراوي لقياس محيط الأرض، وعمل على الإسطرلاب، وشارك في الأرصاد الفلكية ووضع "زيح السند هند" الذي ظل يستخدم لقرون، وأخيرا هناك الخوارزميات الشهيرة التي لا تزال تستخدم حتى اليوم بعد تعديلها.


ويفرد الكاتب فصلا خاصا لرسم خريطة العالم من قبل الجغرافي العربي الإدريسي عام 1154م، فلم يعارض العرب مفهوم أن الأرض تشبه الكرة، فقد طبقوا بسهولة رياضيات الكرة على مسائل الجغرافيا، كما يقول المؤلف. وقام المجسطي بتمثيل السطح المكور للأرض على خريطة مستوية.


كان الرحالة آديلارد متقنا للعربية تماما، واستقر في إنطاكية التي كانت مركزا لترجمة علوم العرب إلى اللاتينية، ولا سيما في حقل الطب، وكانت الكتب العربية تملأ أسواق المدينة. وفي إنطاكية ترجم العالم الإيطالي ستيفن أوف بيزا موسوعة طبية هي الكتاب الملكي لعلي بن العباس المجوسي، ويتألف هذا الكتاب من عشرة فصول في نظرية الطب وعشرة فصول في التطبيق السريري. أما آديلارد فقد كان مهتما بالفلك والكيمياء وعلم الهندسة وترك وزراؤه عشرات المؤلفات في هذا المجال. وترجم "زيح السند هند" للخوارزمي.

يتبع إن شاء الله




منقول عن موقع قناة الجزيرة الفضائية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق