مع البارودي رحمه الله 2

فَهمُه في دينِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وتواضُعُه ....

أتمنى أنْ تقرأ أخي الكريم هذا المقطعَ الرائعَ للبارودي آخذاً في الإعتبار أنَّه رَحِمَه اللهُ 

كانَ وزيراً للحربيةِ في ذلكَ الوقت ثمَّ رئيساً للوزراء , وقارنْ بينَ فنِّ البارودي وفِقهِهِ

وبين وزراءِ اليوم وتفننِهم في إصابةِ الشَّعبِ بالكبتِ والغَيظ .

ولاحظ أيضاً أنَّه لم يكنْ رَحِمَه اللهُ وزيرًا للأوقافِ أو الشؤونِ الدينيةِ أو الثقافةِ حتى 

ينطقَ بهذا الكلام .

كان حقاً فارسَ السيفِ والقلم.

قال رَحِمَهُ اللهُ فِي مُقدِّمَةِ دِيوانِه :

وقد يقفُ الناظرُ في ديواني هذا على أبياتٍ قُلتُها في شكوى الزَّمان , فَيظُنُّ بي سوءًا مِنْ

غَيرِ رَويَّةٍ يُجِيلُهَا , ولا عِذْرَةٍ يستبينها, فإنِّي إنْ ذكرتُ الدَّهرَ فإنَّمَا أقصِدُ بِهِ العالمَ

الأرضيَّ لكَونِهِ فِيه , مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الشيئِ باسمِ غَيْرِهِ لِمُجَاورَتِه إيَّاه , كقوله تعالي :

( وَاسْألِ القَريَةَ ) أي : أهلَ القَريةِ

 وكَمَا قالَ أبو كبيرٍ عَامِرٌ ابنُ حُليسٍ الهُذَلِيُّ :

عَجِبْتُ لِسَعي الدَّهْرِ بيني وبينَها      فَلمَّا انقَضَى ما بيننَا سَكَنَ الدَّهْرُ

فإنَّه أرادَ بسعيِ الدَّهْرِ سَعْىَ أهلِ الدَّهْرِ بالنَّمائِم والوِشايات , فلمَّا انقضى ما كانَ بينهُما 

مِنْ الوَصْلِ , سكنوا وتركوا السِّعايةَ , ولهذا أمثلةٌ كثيرةٌ .

لا أقول ذلك تبرؤًا من الوهمِ , ولا اعتماداً على صِحةِ الفَهْم , فإنَّ المرءَ وإنْ كَثُرَ 

إحسانُه , لا يَسْلمُ مِنَ الزَّلَّةِ لسانُه , وقَلَّ مَنْ تَوَغَّلَ في حَرَجاتِ القَرِيضِ , فنجا قَبلَ أنْ 

يَغَصَّ بالجَريض ( القَريض : الشِّعر , الجَريض : الرِيق , والمقصودُ أنَّ مَنْ اشتَغَلَ

بِالشِّعرِ وجعلَه هَمَّه قَلَّمَا ينجو مِن التقصيرِ والخطأ فِيه ) 

تقولُ العرَبُ :  "حال الجريض دُونَ القَريض" ضرباً للمثل للأمرِالصعبِ كثيرِ العوائِق .

من مقدمة ديوان محمود سامي البارودي رحمه الله ( 1838 - 1904 )