سبيلك إلى الشعر
أخشى أن يكون أهم أركان الشعر إحساس الشاعر بمعانيه أإحساسا كاملا نافذا متغلغلا , لا يدع للمنطق العقلي المجرد عملا في تكوين شعوره . وليس معنى ذلك أن يتعرى الشعر من المنطق العقلي المجرد , بل معناه أن ينقلب المنطق العقلي – بكماله وتمامه وقوته واستوائه واستقامته – حاسة دقيقة مدبرة تعمل في حياطة الإحساس والقيام عليه وتصريفه في وجوهه على هدي لا يضل معه , فلا يشرد عن الغرض الذي يرمي إليه في التعبير عن الصور التي تنشأ لهذا الإحساس . وإذن فأكبر عمل المنطق العقلي في الشاعر أن يمد الإحساس , بما ليس له من الاستواء والاستقامة والسداد , وكذلك تتداعى إليه الألفاظ التي يريد التعبير بها مقترنا بعضها إلى بعض , بحيث لا تخرج هذه الألفاظ في الكلام حائرة قلقة , تجول في عبارتها من انقطاع الرباط الذي يربطها بالمعاني التي أحسها الشاعر , فهاجته فغلبته فأراد التعبير عنها تعبيرا صافيا مهتزا متغلغلا قويا , فيه صفاء الإحساس , واهتزازه وتغلغله وقوته .
وأداة المنطق العقلي هي اللغة , والعقل بغير اللغة لا يستطيع أن يستوي ويتسلسل ويصل , ولا أن تتدفق معانيه في مجراها الطبيعي .
فالمنطق العقلي كما ترى هو خزانة اللغة التي تمول الإحساس , فهو يتقاضاها ما تستطيع أن تمده به من المادة التي تمكنه من الظهور والانتقال . فربما أخذ من اللغة ماهو ( موصل ردئ ) للإحساس , وربما أخذ منها ماهو ( موصل جيد ) يستطيع أن يسري فيه إلى قارئه أو سامعه , فإذا عرفت هذا أيقنت أن الشعر يتصل قائله . فإذا أخفق أن يكون أثره كذلك , فمرجع هذا إلى أحد أمرين :
أخشى أن يكون أهم أركان الشعر إحساس الشاعر بمعانيه أإحساسا كاملا نافذا متغلغلا , لا يدع للمنطق العقلي المجرد عملا في تكوين شعوره . وليس معنى ذلك أن يتعرى الشعر من المنطق العقلي المجرد , بل معناه أن ينقلب المنطق العقلي – بكماله وتمامه وقوته واستوائه واستقامته – حاسة دقيقة مدبرة تعمل في حياطة الإحساس والقيام عليه وتصريفه في وجوهه على هدي لا يضل معه , فلا يشرد عن الغرض الذي يرمي إليه في التعبير عن الصور التي تنشأ لهذا الإحساس . وإذن فأكبر عمل المنطق العقلي في الشاعر أن يمد الإحساس , بما ليس له من الاستواء والاستقامة والسداد , وكذلك تتداعى إليه الألفاظ التي يريد التعبير بها مقترنا بعضها إلى بعض , بحيث لا تخرج هذه الألفاظ في الكلام حائرة قلقة , تجول في عبارتها من انقطاع الرباط الذي يربطها بالمعاني التي أحسها الشاعر , فهاجته فغلبته فأراد التعبير عنها تعبيرا صافيا مهتزا متغلغلا قويا , فيه صفاء الإحساس , واهتزازه وتغلغله وقوته .
وأداة المنطق العقلي هي اللغة , والعقل بغير اللغة لا يستطيع أن يستوي ويتسلسل ويصل , ولا أن تتدفق معانيه في مجراها الطبيعي .
فالمنطق العقلي كما ترى هو خزانة اللغة التي تمول الإحساس , فهو يتقاضاها ما تستطيع أن تمده به من المادة التي تمكنه من الظهور والانتقال . فربما أخذ من اللغة ماهو ( موصل ردئ ) للإحساس , وربما أخذ منها ماهو ( موصل جيد ) يستطيع أن يسري فيه إلى قارئه أو سامعه , فإذا عرفت هذا أيقنت أن الشعر يتصل قائله . فإذا أخفق أن يكون أثره كذلك , فمرجع هذا إلى أحد أمرين :
الأول : إما أن الشاعر لم يوفق إحساسه في الاستمداد من لغته ما يطابق الإحساس ويكون ( موصلا جيدا ) له , لأن منطقه العقلي لم ينبذ إليه من مادته ماهو حق المعاني التي يتطلبها إحساسه ,
أو لأن مادة هذا المنطق العقلي أفقر من إحساس الشاعر , فهي لا تملك عندها ما يكفي للتعبير عن إحساسه , فهذه أخرى.
ولهذه العلة الأخيرة تجد كثيرا من عامة الناس ليسوا شعراء , ومع ذلك فربما كان أحدهم أدق إحساسا وأعمق وأعنف , ويكون إحساسه أحفل بالمعاني وأغنى , وإنما يقطعه عن الشعر هذه العلة , وهي فقر المنطق العقلي من اللغة التي هي مال له । أو انقطاع المنطقق العقلي دون الوصول إلى المنطقة التي ينقلب فيها هذا المنطق – بكماله وتمامه وقوته واستوائه واستقامته – حاسة دقيقة مدبرة تعمل في حياطة الإحساس والقيام عليه وتسديده للغرض الذي يرمي إليه في التعبير عن معاني الاحساس , كما قدمناه أنفا .
الثاني : أما الأمر الثاني – الذي يخفق بسببه الشعر في التأثير – فمرده إلى القارئ أو السامع । فإذا كان إحساس السامع أو القارئ ضعيفا بليدا غثا , فمهما يأته من شعر حافل قوي عنيف دقيق العبارة عن إحساس شاعره فهو لديه شيئ فاتر ضعيف لا يهزه ولا يبلغ منه ولا ينفذ فيه , وهذا الضرب من العامة الذين لا يتأثرون بالشعر لا يعتد بهم ولا ينظر إليهم , ولكن هناك ضرب أخر يكون بليغ الإحساس جيد التلقي , صالحا للتأثر بما ينتقل إليه من هزة الإحساس فيهتز لها ويطرب , وقد يكون مع ذلك خلوا من اللغة التي يعبر بها الشاعر , إذ ليس له منطق عقلي سام متخير للكلام يختزن اللغة لنفسه إذا فكر , ولفهمه إذا حدث أو أنشد , فهو ربما سمع الشعر الجيد فلم يبلغ منه المبلغ الذي أريد له هذا الشعر , وكثر هؤلاء في عصرنا هذا حتى سقط الشعر ولم يحفل به إلا قليل , وهم لم يكونوا كذلاك إلا لفساد التعليم وقلة احتفاله باللغة وبيانها وأسلوب مجازها , ولأن الجهلاء والسخفاء هم سواد الناس , وفساد الطبائع فيهم راجع إلى هذين : فمخالطة الجهال تورث الجهالة والخبال , وترك التعلم وسوء التعليم ذريعة مفضية إلى الجهل والبلادة , فكيف – مع هذين – يخلص أحدهم من فقر العقل وبلادة التأثر بالشعر البليغ الحافل بالإحساس المشبوب العنيف ؟؟؟
فأنت ترى : أن اللغة المتخيرة المرصدة للتعبير عن الإحساس تعبيرا مسددا بالمنطق العقلي الذي لا يزل على مدارج المجاز فتنقطع صلاته بحقائق المعاني التي وضعت لها هذه ....... , ثم المنطق العقلي الذي يختزن هذه اللغة , ويستطيع أن يتحول حاسة دقيقة مدبرة تقوم على الإحساس وتحوطه من الضلال ..... , ثم المعاني التي يتمثلها إحساس الشاعر حين يهيجه ما يؤثر فيه تأثيرا قويا عنيفا – هذه الثلاثة هي , مادة الشعر الجيد , فإذا سقط أحدها أو انحط أو ضعف , سقط الشعر بسقوطه أو انحط أو ضعف .
من مقالة بعنوان ( الشعر والشعراء ) من جمهرة مقالات ( أبي فهر ) رحمه الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق