الجمعة، 13 أغسطس 2010

لغة الصوت

(لغة الصوت)
أنت محتاج وأنت تسمع ( لغة الصوت) أن تكون يقظ النفس حي الإحساس , نفاذا إلى المعاني الغامضة , حسن التيقظ بالنبرات التي تدل علي ضمير اللفظ , سريع الخاطر في إدراك هذا الموج المتلاحق من الحركات المختلفة , فإذا كان الذي تسمعه كلاما يتلى أو ينشد كالشعر مثلا , وكان الذي ينشده قد عاش ساعة في معانيه حتى تلبس بها ونطق لسانه معبرا عن لسانها وعن لسان قائلها الأول - إن لم يكن هو ذلك الرجل - , كان عليك أن تكون لينا طيعا سريع التبدل جرئ النفس في غمرات العواطف , حتي يتاح لك أن تعيش أنت نفسك في هذه المعاني ساعة تتلي عليك وعندئذ تغشاك غمرة لذيذة تدب في غضون نفسك, فتحس كأنك تبعث بعثا جديدا في حياة جديدة حافلة بالصور التي قلما يدركها العقل إلا مشوهة متخالفة التركيب , فلا يزال يجهد في تلفيق أجزائها حتى لا يبقى من أصولها الحية الصريحة الصادقة شئ ألبتة . فإن استطعت يوما أن تجد في نفسك أنك مستطيع أن تكون علي هذه الصفة , فقد فهمت الشعر ونفذت إلي أغواره , وإن عجزت عن بيان ما فيه . وفي الناس , وقليل ماهم , قد أجادوا ( لغة الصوت ) إجادة بارعة , وإن كانوا في أكثر الأحيان لا يدركون أنهم يحسنون منها شيئا , وذلك لطول ما انطووا علي أنفسهم حتي غمروها في بحر النسيان , وربما سمعت أحدهم وهو يتكلم , فما يكاد ينطق حرفا أو حرفين حتي تحس كأن كل معاني نفسه تنسرب في نفسك واضحة بينة , وأنك قد عرفت منه ما يكاد يخفيه عن الناس جميعا , لأنه متكبر أو قانط أو هياب جزوع , وهذا الضرب من الناس هم أشد خلق الله حرصا على إخفاء ألامهم , وأبعدهم رغبة في الاستماع بالعذاب الذي يقاسمونه , لأنهم يظنون أنهم بذلك قد حازوا النصر علي ألامهم , وعلى الناس أيضا , إذ استطاعوا أن يواروا عنهم خبئ ما في نفوسهم الحزينة المعذبة .
من جمهرة مقالات ( أبي فهر ) - رحمه الله - بتصرف هين

هناك تعليق واحد:

  1. لا شكّ ان لغة الصوت ونبرته , والنفاذ الى ما في هذا الصوت من روح المتكلم , لهو عطاء وتفضيل من ذي الفضل والعطاء يختصُّ به مِن خلقه من يشاء

    بوركتم بهذا الاختيار لهذا المقال الذي أتحفنا بهذه المعاني ...

    والسلام عليكم ورحمة الله .....

    ردحذف