السبت، 21 أغسطس 2010

بين العلم والأدب (1)

الدكتور / أحمد مستجير



كان أول ما يتميز به الدكتور أحمد مستجير – رحمه الله – هو تواضع العلماء والحياء ورهافة مشاعره فوق كونه عالما وشاعرا ومثقفا موسوعيا ومترجما رفيع المستوى . فله كتاب مزج فيه بين العلوم الرقمية والعروض الشعرية .

وللدكتور تجربة علمية ناجحة لمواجهة مشكلة القمح وأزمة مياه الري , ووصل فيها لقمح هجين يتم ريه بالماء المالح ,لكنها لم تلق اهتماما رسميا حقيقيا ( وهي بالتأكيد تلقى تجاهلا متعمدا حتى الأن على الرغم من أزمة القمح التي تهدد مصر بالمجاعة أو التسول على أعتاب الشرق والغرب )


ولد رحمه الله في عام 1934 ( يالها من أعوام جميلة مليئة بالعجائب ) بمحافظة الدقهلية , واهتم أثناء دراسته الثانوية بكتب البيولوجيا , وبعد حصوله على البكالريوس من كلية الزراعة جامعة القاهرة , عام 1958 ثم دبلوم وراثة الحيوان من معهد الوراثة من جامعة ( أدنبرة ) عام 1961 ثم الدكتوراه في وراثة الحيوان من معهد الوراثة من جامعة ( أدنبرة ) عام 1963 ثم عمل مدرسا بكلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1964 , ثم أستاذا مساعدا عام 1971 , ثم أستاذا عام 1974 , ثم أصبح عميدا للكلية من 1986 إلى 1995 , ثم أستاذا متفرغا بها


أنظر إلى الإبداع كيف قدم للبشرية ( ولبلده خاصة ) أعظم حل لمشكلة الجوع وقدم دراسة لري القمح بالماء المالح وما أكثره في بلادنا .

ياله من أديب وعالم ومهتم بأمور الأمة العربية والإسلامية , فلقد توفي رحمه الله عام 2006 في أحد مستشفيات( النمسا ) بعد إصابته بجلطة شديدة في المخ إثر مشاهدته أحداث التدمير والمذابح التي ارتكبها ( الكيان الصهيوني الغاصب ) بحق المدنيين العزل والأطفال في لبنان

منقول عن جريدة المصري اليوم بتاريخ 17/8/2010 بتصرف هين

أدوات الشعر وأركانه

سبيلك إلى الشعر

أخشى أن يكون أهم أركان الشعر إحساس الشاعر بمعانيه أإحساسا كاملا نافذا متغلغلا , لا يدع للمنطق العقلي المجرد عملا في تكوين شعوره . وليس معنى ذلك أن يتعرى الشعر من المنطق العقلي المجرد , بل معناه أن ينقلب المنطق العقلي – بكماله وتمامه وقوته واستوائه واستقامته – حاسة دقيقة مدبرة تعمل في حياطة الإحساس والقيام عليه وتصريفه في وجوهه على هدي لا يضل معه , فلا يشرد عن الغرض الذي يرمي إليه في التعبير عن الصور التي تنشأ لهذا الإحساس . وإذن فأكبر عمل المنطق العقلي في الشاعر أن يمد الإحساس , بما ليس له من الاستواء والاستقامة والسداد , وكذلك تتداعى إليه الألفاظ التي يريد التعبير بها مقترنا بعضها إلى بعض , بحيث لا تخرج هذه الألفاظ في الكلام حائرة قلقة , تجول في عبارتها من انقطاع الرباط الذي يربطها بالمعاني التي أحسها الشاعر , فهاجته فغلبته فأراد التعبير عنها تعبيرا صافيا مهتزا متغلغلا قويا , فيه صفاء الإحساس , واهتزازه وتغلغله وقوته .
وأداة المنطق العقلي هي اللغة , والعقل بغير اللغة لا يستطيع أن يستوي ويتسلسل ويصل , ولا أن تتدفق معانيه في مجراها الطبيعي .
فالمنطق العقلي كما ترى هو خزانة اللغة التي تمول الإحساس , فهو يتقاضاها ما تستطيع أن تمده به من المادة التي تمكنه من الظهور والانتقال . فربما أخذ من اللغة ماهو ( موصل ردئ ) للإحساس , وربما أخذ منها ماهو ( موصل جيد ) يستطيع أن يسري فيه إلى قارئه أو سامعه , فإذا عرفت هذا أيقنت أن الشعر يتصل قائله . فإذا أخفق أن يكون أثره كذلك , فمرجع هذا إلى أحد أمرين :

الأول : إما أن الشاعر لم يوفق إحساسه في الاستمداد من لغته ما يطابق الإحساس ويكون ( موصلا جيدا ) له , لأن منطقه العقلي لم ينبذ إليه من مادته ماهو حق المعاني التي يتطلبها إحساسه ,
أو لأن مادة هذا المنطق العقلي أفقر من إحساس الشاعر , فهي لا تملك عندها ما يكفي للتعبير عن إحساسه , فهذه أخرى.
ولهذه العلة الأخيرة تجد كثيرا من عامة الناس ليسوا شعراء , ومع ذلك فربما كان أحدهم أدق إحساسا وأعمق وأعنف , ويكون إحساسه أحفل بالمعاني وأغنى , وإنما يقطعه عن الشعر هذه العلة , وهي فقر المنطق العقلي من اللغة التي هي مال له । أو انقطاع المنطقق العقلي دون الوصول إلى المنطقة التي ينقلب فيها هذا المنطق – بكماله وتمامه وقوته واستوائه واستقامته – حاسة دقيقة مدبرة تعمل في حياطة الإحساس والقيام عليه وتسديده للغرض الذي يرمي إليه في التعبير عن معاني الاحساس , كما قدمناه أنفا .

الثاني : أما الأمر الثاني – الذي يخفق بسببه الشعر في التأثير – فمرده إلى القارئ أو السامع । فإذا كان إحساس السامع أو القارئ ضعيفا بليدا غثا , فمهما يأته من شعر حافل قوي عنيف دقيق العبارة عن إحساس شاعره فهو لديه شيئ فاتر ضعيف لا يهزه ولا يبلغ منه ولا ينفذ فيه , وهذا الضرب من العامة الذين لا يتأثرون بالشعر لا يعتد بهم ولا ينظر إليهم , ولكن هناك ضرب أخر يكون بليغ الإحساس جيد التلقي , صالحا للتأثر بما ينتقل إليه من هزة الإحساس فيهتز لها ويطرب , وقد يكون مع ذلك خلوا من اللغة التي يعبر بها الشاعر , إذ ليس له منطق عقلي سام متخير للكلام يختزن اللغة لنفسه إذا فكر , ولفهمه إذا حدث أو أنشد , فهو ربما سمع الشعر الجيد فلم يبلغ منه المبلغ الذي أريد له هذا الشعر , وكثر هؤلاء في عصرنا هذا حتى سقط الشعر ولم يحفل به إلا قليل , وهم لم يكونوا كذلاك إلا لفساد التعليم وقلة احتفاله باللغة وبيانها وأسلوب مجازها , ولأن الجهلاء والسخفاء هم سواد الناس , وفساد الطبائع فيهم راجع إلى هذين : فمخالطة الجهال تورث الجهالة والخبال , وترك التعلم وسوء التعليم ذريعة مفضية إلى الجهل والبلادة , فكيف – مع هذين – يخلص أحدهم من فقر العقل وبلادة التأثر بالشعر البليغ الحافل بالإحساس المشبوب العنيف ؟؟؟

فأنت ترى : أن اللغة المتخيرة المرصدة للتعبير عن الإحساس تعبيرا مسددا بالمنطق العقلي الذي لا يزل على مدارج المجاز فتنقطع صلاته بحقائق المعاني التي وضعت لها هذه ....... , ثم المنطق العقلي الذي يختزن هذه اللغة , ويستطيع أن يتحول حاسة دقيقة مدبرة تقوم على الإحساس وتحوطه من الضلال ..... , ثم المعاني التي يتمثلها إحساس الشاعر حين يهيجه ما يؤثر فيه تأثيرا قويا عنيفا – هذه الثلاثة هي , مادة الشعر الجيد , فإذا سقط أحدها أو انحط أو ضعف , سقط الشعر بسقوطه أو انحط أو ضعف .

من مقالة بعنوان ( الشعر والشعراء ) من جمهرة مقالات ( أبي فهر ) رحمه الله

الجمعة، 20 أغسطس 2010

اصحى يا نايم 2



الشات هو الحل


طبعا أنا عرفتكم ع الزغاليل المرة اللي فاتت , على فكرة أنا مش عارف ولا فاكر أنا حكيت لكم ليه قصة
الزغاليل , بس ممكن علشان أظهر جوانب شخصية ( علي ) اللي هو مفروض البطل , على العموم هانكمل
المسيرة .
إحنا أخر مرة وقفنا إن ( حسن ) صاحب ( علي ) اتصل بيه وقاله إن ( صالح ) أخوه عايزه ضروري
عليكم السلام إزيك يا ( علي ) . أدخل يا مان .
السلام عليكم .
صالح : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . إزيك يا مولانا .
إزيك يا باشمنهدس .
هاسيبكم مع بعض بقي هاروح ألعب ( ميدال أوف أنور ) . قربت أقفِّلها سلاحف .
ماشي يا ( باشا ) ياريت تعملنا كوبايتين شاي قبل ماتبدأ لعب
عامل إيه يا هندسة أخبارك إيه ؟
الحمد لله .
رد (علي ) وكان مكسوف جدا ومستغرب من لهجة ( صالح ) في الكلام .
(ملامح وشه مريحة جدا وطريقته في الكلام تحس إنه مش من سكان القاهرة وبرده تحس إنك تعرفه قبل كدة)
بقولك إنت بتقرأ ؟؟؟
أيوة طبعا , أنا لسة مخلص كتاب ( الفوائد لابن القيم ) وقربت أخلص ( صيد الخاطر لابن الجوزي )
لا لا , أنا ماقصدش القراءة الشرعية , بتقرأ حاجة تانية ؟؟؟
لا ماجربتش , زمان وانا صغير كنت بقرأ رجل المستحيل هههههههههههه
طيب ابقي فكرني أقولك على كتاب كويس أنا لسة قاريه إسمه ( الأب الغني والأب الفقير ) جميل , وهاينفعك
في بداية حياتك العملية جدا .
الله المستعان , بس أنا لو عندي وقت هافضل أخلص (صيد الخاطر) وبعدين عايز أبدأ في (إحياء علوم الدين)
طيب براحتك بس خليك حافظ إسم الكتاب
بص يا هندسة لو تحب أنا عايزك تشتغل معاي .
( علي ) من غير تفكير : ماشي . بس هاشتغل إيه ؟
هاتشتغل في شغل مدني أنا عارف إنك ميكانيكا وده مش تخصصك بس ماتقلقش .
طيب ربنا ييسر . إيه القصة ؟
هاتيجي معاي الموقع بكرة واحنا في الطريق هاحكيلك .
تاني يوم راحوا الشغل مع بعض وفي الطريق
(صالح) : بص يا مولانا إنت هاتتعامل مع ناس مختلفة عن باقي البشر .اللي هما العُمَّال . إوعي تعاملهم بالدين
والشرع هايشتغلوك .
(علي) وهو مخضوض جدا : طيب ربنا يستر .
بعد فترة قصيرة زهق ( علي ) من الشغلانة دي وقرر يشتغل في التجارة , وبدأ مشوراه في التجارة بإنه
يشتغل موظف الأول علشان يتعلم , وفعلا اشتعل في المبيعات في شركات كتيرة قبل ما يقرر يفتح شركة
مستقل بنفسه.
بس في الحقيقة على الرغم من إنه ساب الشغل مع ( صالح ) بس دي كانت بداية صداقة قوية بينهم
مشيت الشركة كويس فترة وبعد كدة حصل مشاكل طبعا بينه وبين الشركاء , وبعد ركعتين إستخارة قرر
يصفي الشركة ويلتزم بكل الديون اللي عليها , كان قرار غريب جدا .
( علي ) لما فتح الشركة , في الحقيقة هو فتح شركتين , علشان في نفس تاريخ افتتاح الشركة , اتجوز .
إيه اللي إنت عملته ده يا ( علي ) , إنت علي طول كدة – سامحني يعني – غير مسؤول ؟؟؟
غصب عني يا باشمهندس ( صالح ) والله , أنا متأكد إن ربنا مش هايضيعني .
ونعم بالله طبعا , بس المبدأ ده غلط يا بني . علي العموم مش مشكلة , إنت هاتعمل إيه دلوقتي ؟؟؟؟؟؟
مش عارف , علشان كدة طلبت أقابلك . أنا مخنوق جدا .
طيب هاتعمل إيه في الفلوس اللي عليك . إنت بتقول عليك كم ؟
حوالي نص مليون ....................
يا خبر أسود ومنيل بستين نيلة .
فيه واحد عرض علي يتفاوض مع صاحب الدين مقابل إنه أشتغل معاه ويديني كل شهر مبلغ أكل واشرب منه
... إيه رأيك ؟؟؟؟
الأهم اللي إنت تكتشف أخطاءك , وتعلم عليها.
وهكذا أثر ( علي ) أيسر السجنين وأخفهما وطأة وأصبح لا يري الدنيا إلا بلونين ولونين فقط دونما أية ألوان
أخرى تساعده على المضي قدما فيها .
ومن غير أي طعم أو معني .
وما زاد من همه أن سجنه هذا قد صحبه أخر , في بيته , وعلي الرغم من الحب الذي كان ينعم به (فيه) مع
زوجته التي – من فرط حبه لها – كان يغار عليها من عيون الناس على الرغم من أنها كانت تستر وجهها
عنهم , حتي من قرص الشمس حين يبصرها , بل حتي من يد النسيم حين يتلاعب بثوبها وشعرها ,كان يغار
عليها حتي من عبير الزهور .
هذا الحب قد أنتج ثمرة جميلة ولكن يبدو أنها في غير موعدها فهي ثمرة ليست في الربيع الجميل الزاهر بل في
صيف شديد الحر ارة وسط صحراء مقفرة , ولد له مولوده الأول (عبد الرحمن ) في حين أنه وقتها كان لا يملك
قوت يومه أو بالكاد يملكه . قرر أن تعيش زوجته عند أهلها مؤقتا . علي الرغم من أنه لا يكن لهم أي حب ولا
احترام .
ألو ...... السلام عليكم إزيك يا باشمهندس .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته إزيك يا مولانا إنت عامل إيه ؟
أنا مخنوق , ممكن نتقابل ؟؟؟
أوك , هاجيلك تحت العمارة بعد العشا .
ماشي سلام .
قرر ( علي ) أن يتحدث بصراحة لأول مرة مع أي أحد .
أنا مخنوق جدا ومش حاسس بأي معني للدنيا . لو الإنتحار حلال كنت انتحرت والله . بس تقريبا هي دي
الحاجة اللي فاضلالي من ديني , إني أخاف أموت واروح النار .
( صالح ) : إنت لو مش ( أخ ) ( متدين يعني ) وهاتقولي حرام والكلام ده هاقولك علي طريقة ممكن تساعدك
إنك تخرج من الحالة اللي إنت فيها دي .
قبل ماتكمل كلامك , أنا عايز أقولك حاجة بصراحة عمري ماقولتها لأي حد .
إيه ؟
عارف أنا ساعات كتير أحس إني عندي انفصام . أنا فعلا جواي أكتر من شخصية .
كل واحد فينا كدة , واللي بيظهر من الشخصيات دي هي الشخصية اللي بيحب الناس تشوفه عليها ومش شرط
يكون بيحبها .
كلامك صح . عارف أنا نفسي في إيه دلوقتي ؟؟؟
إيه قول ؟؟؟
نفسي أتعرف علي واحدة غير مراتي ههههههههههههههههه.
إيه ده ؟؟ معقولة ؟؟؟ مولانا ............. فوووووووووء .هههههههههه
أنا بتكلم بجد .
وده بقى وجه من الوجوه القبيحة ولا الحلوة في شخصياتك ؟
أنا مش عارف أنا بقول كدة ليه . بس انا قررت أتكلم بصراحة .
طيب إنت كدة شجعتني أقولك علي الحاجة اللي كنت عايز أقولها .
إيه ؟؟؟
بتعرف تعمل ( شات ) ؟؟
تقصد دردشة ع النت ؟ لا طبعا ماجربتش .
طيب جرب .
وفضلوا يتكلموا عن مغامرات ( صالح ) مع البنات علي الشات ويحكي له إنه مش بيتكلم غير مع بنات
الظاهر من كلامهم إنهم متدينات بس أكيد (عاملين متدينات ) ومش بس كدة ده مش بيتكلم غير مع منتقبات .
علشان هو مش بيدخل أصلا غير غرف إسلامية , و( علي ) كان بيسمعه وهو مندهش ومصدوم ومستغرب
جدا حس إن دي دنيا تانية . عالم افتراضي فعلا . مواز للعالم بتاعنا بكل تفاصيله

وللحكاية بقيَّة- إن شاء الله - المرة اللي جايَّة

كيف تكون أديبا


كيف تكون أديبا

أول ماتجب معرفته لكل طالب أدب , أن لكل علم ألة , ولكل ألة نظاما , ولكل نظام مبدأ , ولكل مبدأ أصولا , فإذا فسد الأصل فسد معه المبدأ والنظام وتوقفت الألة حتى يعلوها الصدأ , وإذا وقع بعض الاختلال في بعض الأصول أفضى هذا الاختلال إلى الألة فجعلها تدور متعسرة ضالة يتكسر سن منها على سن حتى ينتهي بها ذلك إلى الفساد عامة بعد الجعجعة والضوضاء والصخب الذي هو كل إنتاجها . فليس ثمة علم من العلوم أو فن من الفنون إلا وقد استأثر بأصول مؤسسة , لابد لكل راغب – في شيئ من هذه العلوم والفنون – أن يستوعبها ويجيدها ويحسن التصرف فيها إذا عالجها حتى لا يتوقف به العجز بعد الدخول في بحبوحة هذا العلم أو الفن , إذا فجأه ما يفجأ مما لابد منه ولا محيص عنه .
فطالب الهندسة مثلا إذا لم يعرف أصولها من النقطة والخط والزاوية القائمة والحادة والمنفرجة , والأشكال المختلفة بين الربيع والتثليث والتدوير , وما يتبع كل ذلك من البرهان على صحة الأحكام التي تقتضيها هذه الأشكال الهندسية , فهو خليق إذن أن لا يجيد شيئا من الهندسة مهما طال مراسه لها , وتتبعه لكتبها الكبيرة التي لا تلم بشرح الأصول الإبتدائيه .
فإذا خيل لهذا الطالب – بعد طول العمر في دراسة الكتب الكبيرة – أنه مستطيع أن يشرح النظام الفلكي بالحساب الهندسي , أو أن يبني دارا بما تلقف من ألوان هذا العلم , وقع من حيث طار مرة , أو انهدم عليه ما أقامه مرة أخرى , وهكذا أمر كل العلوم والفنون لا يشذ واحد منها عن القاعدة التي تقررها فطرة العلوم والفنون .
والأدب والشعر والفلسفة وسائر العلوم النفسية والعقلية التي يخيل لبعض الناس إنها ملك للجميع من كل صاحب عقل وصاحب نفس لا تخرج عن هذه القاعدة التي تطالبنا بتقريرها فطرة العلوم والفنون . فأيما أديب أو كاتب أو شاعر أو ناقد أو متفلسف يقتحم بابا من هذه الأبواب غير متسلح بالبراعة في أصول الفن الذي يرمي بنفسه فيه , فهو إلى إهلاك نفسه أدخل , وإلى إضاعة وقته أسرع , وبالغرو سار حيث سار , وإني قد رأيت أكثر من يقذف نفسه في فن من هذه الفنون يقول : إذا كان مرد الشعر والأدب والكتابة والنقد وما إليها هو إلى الطبع والسليقة وصفاء النفس ورقة الشعور , فما جدوى أن نقيم الدنيا ونقعدها من أجل أشياء لا تنفع ولا تشفع ؟ وأي فائدة – بعد أن يجتمع للأديب والشاعر هذا كله – في أن يرهق نفسه بالدراية والثقافة والبحث والدأب , ولعله إذا أقبل على هذه الأشياء بالدرس والتثقيف كان ذلك أسرع في إفساد طبعه , ومجمجة سليقته , ومحق شعوره . ولقد أخطأ هؤلاء من حيث أرادوا الإصابة في التقدير .
فإن أصل العلم كله من أدب وفن وعلم إنما هو النفس والطبع والشعور , ولولا هذه لما كان في الدنيا علم , ولكن النفس لا تكتفي بأن تكون كل أعمالها صادرة عنها وحدها , بل إن الاجتماع الإنساني يضطرها أن تكون أبدا متأهبة للتلقي كما هي مريدة للإذاعة , وأن تكون راغبة في مشاركة الآخرين في تأملاتهم كما هي متشوقة للانفراد بتأملها . وهذا يدل على أن النفس إذا انفردت لم تؤد أعمالها إلا ناقصة معيبة , لأن تمام أعمالها في المشاركة .
من مقال بعنوان ( الطريق إلى الأدب ) من جمهرة مقالات ( أبي فهر ) رحمه الله

(محروس ) من العين ( مروان )

إهداء إلى أخي وأستاذي
أ/ إيهاب محروس

حدوتة جميلة بس في حاضر العصر والأزمان
اتولدلنا مولولد في البدء من رمضان
سمَّاه ابوه (محروس) من الفال (مروان)
كان جد من أجداده في سالف الأوطان
بعد (سِتّين واربعة) من هجرة المصطفى العدنان
غلب خصومه وفاز بالعرش والصولجان
عض ع المُلك وكمان ع الخير والدِّين عَضَّة الغلبان...
على رغيف العيش اللي بنشحته دلوقتي م الغِربان
في وقت أصبح فيه العدل والحرية كان يا ما كان
ساد الفساد واتفشى زي السل والسرطان
وغالينا نهبنا... وحبيبنا حامينا ضربنا في المليان
وقُرْبْ (بداية المِيَّة) من ذات هجرة الصحبان
جه حفيده (عُمَر) وخَلَّا الأمر بالظبط زي ماكان...
في مجد أسلافه في بادئ الأحيان
وانا بسألك يا بن اخويا وحبيبي في الرحمن
ها تطلع على اسم اخوك .... ولا جِدَّك (بن الحَكَم مروان) ؟
على العموم يا عَمَّنا أبوه... أنا منتظر... جَعَّان
مستني بفارغ الصبر عقيقة الفَتَّة والخِرفان
ويحرسك بإذن الله م العين يا ولدي يا (مروان)

باركَ اللهُ لكَ في الموهوب .... وشكرتَ الواهِب .... ورُزِقتَ بِرَّه .... وبلغَ أشَدَّه




محمود علي ... في 18 / أغسطس / 2010 














الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

رسالة أسير من الجنوب



رسالةٌ مِن أسير

فراقِك غير احوالي... فراقِك ده على عيني

كلامِك غرزه في روحي... تراب رِجلك على جبيني

دليل حُبِّك علي خدي... وصورتِك جوة تكويني

مشتاق لضمة من صَدرك ...على حِجرِك تحطيني

لنظرة ل وجهك الغلبان لكل جمال يوريني
 
وكُحل الرِمش والنني لكل الدا يدوايني
 
للمسة تطري على همي... لهمسة ف ودني ترضيني
 
نسيت الأهل والخلان ... نسيت اسمي وعناويني
 
نسيت مَرتي وحبيب القلب ...نسيت فرحي وبراكيني
 
ومش شايف لحد جميل ولا سامعوه يناديني
 
ومين عارف هاييجي اليوم وذات اليوم تشوفيني
 
علي عهدي وكتاب الله... وحافظه فروح شراييني
 
ومش عايزِك تزوريني ...عذاب عينِك بيكويني
 
ونار السجن يا أمي ومن ذله يوريني
 
كتير اهون على قلبي ولا إنك تصديني
 
نسيت يامة خادوني ليه...أبوس إيدك ترسِّيني
 
عشان كلمة تحررني ؟ عشان ديني وتمكيني ؟
 
عشان رفضه يخليني... أمص نعال أعاديني؟
 
عشان قولت وهاقول لسة "زهقت عدوي يحميني"


محمود علي ... في 15 / أغسطس / 2010 

الأحد، 15 أغسطس 2010

مَن استرعى الذئبَ فقد ظَلَمْ

من استرعى الذئب ظلم



يبدو أن الحال ليس كما ينبغي , ها نحن في الموسم ولا أحد يرغب في قضاء ليلة معك أيتهاالتعيسة , لا أدري هل مرتادي هذه الخمارات من أصحاب المزاج العالي قد تبدل الحال بهم, وتغير مزاجهم , أم العيب فيك أنت لا فيهم , كم طلبت منك كثيرا أن تعودي للإعتناءبنفسك كسابق عهدك , فالإيراد كما لا يخفى عليك قد اقترب من العدم

كذلك حالك أيها القواد اللعين , لم تتغير قط , منذ أكثر من ثلاثين عاما تزوجتني , لتأكل من بيع جسدي وأنت لا يرضيك أبدا أي شيئ , ما عساي أن أفعل أكثر من ذلك , أتستطيع أن توقف عجلة الزمن , الزمن يا زوجي العزيز لا يقبل الرشاوي ولا تنطبق عليه قوانين الفساد التي اخترعتها

يالها من مسكينة قد نحل جسدها , وأصبحت ( كالبلياتشو ) من فرط ما تعانيه من عبء( الماكياج ) الذي تلطخ به وجهها , مسكينة حقا تلك المرأة , ماذا عساها أن تفعل وقد تزوجها هذا القواد منذ ما يربو على ثلاثين عاما , قد انتشلها من خزي العار – كما أوهمها وقتها – أو كما تقول قوانين الشرف والتي كان ملتزما بها أيما التزام , فلقد تزوجها وهي تحمل من سفاح , بعد ما تعودت على الإستسلام لفتيان الطريق , ثم اكتشفت بعد ذلك بقليل أنه لم يتزوجها بل كان يعقد صفقة مربحة , فهي بالنسبة له أصبحت مصدرا للدخل لا يريد أن يشاركه فيها أحد , قد استعملها في اجتذاب هؤلاء الرعاع ممن لا هم لهم إلا أن يلبوا نداء شهواتهم اللعينة , غير عابئين بأي دين أو عرف أو دستور , فهذا الرجل اللعين لديه دستوره الخاص في حانته

كان ذلك القواد بعد تلك السنوات الطويلة قد أنهكه كثرة ما أكل من لحم جسد تلك المرأة المسكينة , أصبح لا يقوى على الحركة من فرط التخمة التي أصيب بها , وهو في ذلك لا يرحمها بل يشتد في طلبه لها لتبيع جسدها الذي اقترب على الاختفاء , فلا يعد يبقي من شعرها الجميل إلا بقايا من لون أبيض

منذ أن أخذ إيراد حانة ذلك القواد في الإنهيار , حتى أصابه الفزع والهلع , بالرغم من أنه مشرف على الموت – ولعله مات ولا أحد يعرف – بالرغم من ذلك , فهو لا ينتهي عن تقريع تلك المرأة المسكينة التي قد أكرهها على البغاء........ 

أخذ يفكر......... 

كيف أستطيع أن أرتفع بالإيراد ؟ فهذه المرأة الداعرة قد أصبحت شبه ميتة , وها هي تأخذ في الصراخ كل يوم حتى أطلقها , فهي بزعمها تريد أن تموت علي ماتبقى لها من جسد , وهي محتفظة بقلبها الذي تزعم هي أنه ما زال ينبض بالحياة

أووووووووووه.................ماذا أفعل ؟ خاصة وأنا قد أكلني المرض وليس لي في الدنيا إلا ذلك الولد المعتوه ؟ وقد قاربت على الموت ........من لهذه الحانة بعدي ؟
لا لا .......تلك فكرة سيئة , فهذا الولد ليس ولدها ولكنه ابني أنا من زوجتي السابقة 
أتراه يستطيع أن يقنعها وأن يعيدها من عالم الأموات , وهو علي تلك الحالة من البلاهة والعته ؟
الحيرة تأكلني..... لست أدري..... ماذا أصنع ؟

أيها اللعين ....... أنا أعرف ما يدور في أعماق نفسك . لن أدعك تورث بقاياي لولدك هذا المعتوه....... لا أبدا لن يكون فأنا وإن قاربت علي الرحيل أريد أن ألقي ربي تائبة إليه ..... عسى أن يرحمني ..... فأنا على الرغم من أنك استطعت أن تحيلني إلي داعرة خبيثة ....... إلا أن قلبي لا يزال ينبض بالإيمان

قالت ذلك الكلام وهي مجمعة بتلابيب بدلته التي اعتاد ان يستقبل زبائنه بها فما كان منه إلا أن أخذها وهي في قمة ثورتها وقيدها من يديها ورجليها , حتى إنها لا تستطيع الحراك إلا حبوا .............وأخذ يمني النفس قائلا  :

حسنا صنعت أنا ........ دعها كذلك مقيدة وعندما يطلبها الزبائن سأقوم بحل وثاقها فالمفتاح في جيبي .....

جلست حزينة في ركن في تلك الحانة التي يعلوها سباب المخمورين وضجيجهم وسكرهم إلا أن أحدا منهم لا يلتفت إليها من شدة قبحها , جلست حزينة وهي تبكي , تذكرت الأيام الخوالي , عندما كانت شابة جميلة قبل أن تتعرف بأول نذل أسلمت له نفسها , كيف كانت مرحة , كيف كانت مقبلة علي الحياة , كانت لا تخشى أي شيئ حتي الموت , في سبيل أن تصدع بالحق , وأن تنعم بالحرية , والعدل

وهي في أوج تلك الذكريات إذ بهذا الإبن المأفون المعتوه القبيح الوجه يدخل الحانة تفوح منه رائحة السكر وهو يصيح هازئا وبالكاد تفهم كلماته  :

ها أنا قد جئت أيتها اللعينة الشمطاء , كيف تجرأين على البطالة , تريدين أن تتوبي , ويحك أبعد كل هذا التاريخ العظيم المسطر بحروف من نور تريدين أن تتقاعدي ؟

ثم توجه إلى أبيه وأسر له ببعض القول

أبتاه ...... أنت تعلم حتما أن الأعمار بيد الله , فأنت ربيتي منذ كنت صغيرا على الإيمان بالقضاء والقدر وسلطان الموت

ونظر إلى أبيه نظرة ماكرة ومن ثم أكمل حديثه

نعم فأنت ربيتني على ذلك منذ نعومة أظفاري..........
كنت أراك بعيني هاتين تقتل من يقفون أمامك محاولين أن يقتحموا حانتك هذه , و يستولون على إيراد اليوم , أتذكرك ويداك تقطر منهما دماء أخر ضحاياك وأنت تقول  :

يا ولدي هذا هو القدر , ولولا أنه كان مخبولا ما استحق تلك النهاية , كيف يجروء على هذه المحاولة غير المحسوبة ؟
أفهمت يا أبتي ما ذا أبغي ؟؟؟؟

لكن يا ولدي الجميل أنا حقا أشرف على الموت ولكن مازلت أتنفس , وما يزال صوتي جديرا باجتزاب بعض الزبائن حتى لو كان الإيراد يأخذ في الإضمحلال ....
انزع عنك هذا الوسواس فمازلت قادرا على القيام بأمر زوجتي 

يا أبتي ........ تنازل لي وسوف أريك .... سوف أحيل تلك المرأة العجوز إلي ألهة من ألهة الجمال ... سوف ترى صنيعي بها وبالحانة
أطلق يدي..... وإن أنا فشلت في صنيعي هذا فلم يعد أمامنا إلا الخطة البديلة ...........
سوف نتخلص منها للأبد ونقطع جسدها...... أنا أعرف تاجرا من هؤلاء التجار من أصحاب القبعات المستديرة السوداء , والشعر الطويل المنسدل , واللحية المضفرة ...
حتما تعرفهم فأنت يا أبي من عرفتني على هؤلاء التجار, وعلمتني كيف أتعامل معهم منذ كنت طفلا
كنت أراك تصحبهم معك في رحلاتك الخارجية وتزورهم في بيوتهم وهم كانوا أيضا يزوروننا دائما ......
لا أخفيك سرا يا أبي فقد تعرفت على أحدهم ذات مرة وأقنعته أن جسد تلك المرأة جسد تملؤه البركة ........
أقنعته أن جسد زوجتك هذه المسكينة سيدر عليه ملاييين (الشيكيلات) بمجرد أن يضع في كل ركن من أركان بيته الكئيب جزءا من ذلك الجسد المبارك

ابن أبيك ..... ويحك فلقد غلب شيطانك شيطاني ..أحقا يا ولدي ..... ؟؟ إذا فغدا ننظر في ذلك الامر ... نعم غدا..... غدا سأذهب أنا وأنت وسأكتب لك الحانة باسمك بيعا وشراءً
ولكن لا تخبر أحدا من عمال الحانة ولا أي بشر ......

سمعتهما المرأة المسكينة المتهالكة وهما يسران بهذا الحديث فما لبثت أن صاحت بهذا القواد وهي ترثف في قيودها :

لا أرجوك إن كان قد قدر عليك الموت فلا تسلمني لهذا المعتوه ..... أتوسل إليك ....
أريد أن أموت طاهرة عفيفة.... أتريد أن تبيع جسدي ميتة بعت أن نهشت فيه وأنا حية ؟

وما من ذلك القواد إلا وقد صفعها حتى غرق وجهها الشاحب في دمائه وأخذت تبكي وتنتحب .......وأخذت تسائل نفسها ......

ماذا سيحدث إن أنا أغفلت ذلك القواد وابنه هذا المعتوه وحاولت الهرب وهما غارقان ليلا في سكرهما ؟ 

أنا لم أخرج من ذلك المكان الكئيب منذ تزوجت من ذلك الرجل , أو بالأحرى منذ أن بعت له جسدي , فأنا يقتلني الشوق لأرى ضوء النهار ..... أريد أن أشم عبير الزهور ......
أريد أن أتنقس هواءً طاهرا وأنا في أخر أيامي .....

وما إن طلع الفجر وقد استحال لون السماء إلي اللون الأحمر من أثر أول أنفاس الشفق مؤذنا بطلوع الصبح , فإذا بالمرأة المسكينة تحبو متجهة إلي باب الحانة وقد تركوه مفتوحا شيئا ما, و ما إن وصلت إلى منتصف الطريق أمام الحانة , وقد أعياها الحبو وأدمى جسدها النحيل

إذ بشاب تعلوه الهيبة وتبدو عليه أمارات الصلاح, كان يبدو عليه أنه عاد توا من صلاة الفجر وما إن رأها , حتى اقترب منها وانحنى لها , مشفقا عليها وقد روعه ذلك المنظر ... 

أخذ يمسح عن جبينها ما كان قد علق به من قاذورات الطريق قائلا لها  :

مابك يا أماه ؟؟؟؟ ألهذا الحد قد فعل بك ذلك القواد اللعين ؟؟؟؟

نظرت إليه متسائلة كيف له أن يعرف من خبر زوجها ؟

أتعرفني يا ولدي ؟؟

بالطبع أعرفك منذ أن كنت في ريعان شبابك فأبي قد قص لي قصتك الحزينة ؟ و قد كنت هذه الأيام أراقب هذا القواد ماذا عساه أن يفعل بك ؟

ولماذا يا ولدي لم تجرؤ على الإقتراب من تلك الحانة , وأن تفك أسري وتحررني من ذلك العجوز الأخرق ؟؟؟

معذرة يا أماه ....سامحيني.......

ليس عندي ما أقوله لك إلا إنني ليس لي أحد بعد موت أبي إلا أقوام مستضعفون يعيشون فقط على الفتات, قد أعياهم البحث أياما عن ذلك الفتات

ليس لهم من الدنيا نصيب , إلا إنهم مازالوا أحياء يعيشون

و على الرغم من كثرتهم فإنهم كزخات المطر المتهاطل على جبل أملس , لا تنبت كلأً ولا يحتفظ بها ذلك الجبل بين أحضانه تحسبا لوقت الجفاف

هم كثيرون ...

ولكن قومي وإن كانوا ذوي عدد
ليسوا من الشر في شيئ وإن هانا

أخذت ترمقه بنظرات تملؤها الحسرة والحزن , وتهمس على وقع أنفاسها المتسارعة المخنوقة, وكأنها تجود بأخر تلك الأنفاس
إليك وصيتي يا ولدي .........

يا ولدي قد اتفقا علي , هذا القواد اللعين يريد أن يسلمني لولده المعتوه , يريد أن يملكني حيةومقبورة , ها هما في طريقهما , فهذا الفاجر يريد أن يتنازل لابنه عن الحانة وقد سمعتهما بالأمس يتهامسان , وقد اتفقا علي بيع جسدي لذلك التاجر المرابي المشهور, بعدما أقنعه هذا الولد الخبيث أن جسدي بعد الموت سيدر عليه البركات وسيغرقه في ملايين الشيكيلات .

يا ولدي أسرع قبل أن ألفظ أنفاسي ......

 الحق بهذا المعتوه ........فأنا أعرفه جيدا ... بعد أن يتنازل له أبوه ... سرعان ما سيقتله حتى ينفذ خطته معي .....
الحق به أرجوك ....... فأنا إن قدر لي الموت أريد أن أموت تائبة ..... وأن يرقد جسدي ساكنا في قبره ... لا أريد أن يتقطع جسدي أشلاءً عند ذلك المرابي ....

أسرع أرجوك وضع حدا لهذه المهزلة ..... فليس ذلك الإبن المعتوه بأعقل من أبيه الذي أكل جسدي ......
أنا أريد أن أكون شريفة في قبري فأنا لم أذق طعم الشرف منذ زمن بعيد

أسرع يا ولدي...........

ياولدي من لم يكن يدري أني أموتُ فقد وَهِمْ

فالحقيقة يا ولدي أني أموتُ منذ قُرون

منذ تاريخِ الملوكِ الضاربِ في القِدَمْ

منذ تاريخِ سفاحٍ وعصرِ مأمونٍ ومعتصِمْ

وما إن قتل زوجيَ الأولُ أخرَهؤلاءِ الملوك

بعدها ساد الخرابُ يا ولدي في جسدي وَعَمّ

أخذ يُعَطِّرُني ويجملُ صورتي أمامَ رُفَقَائِه

حتى حَمَلْتُ سِفاحاً من أولِ ليلةٍ قضيتُها في بيتِه

قد نَزَفْتُ حِينَها يا ولدي من كلِ قيحٍ و صديدٍ وَدَمّ

قد قتلوه وباعني رُفقَاؤُه لتلك الزمرةِ من الخدَمْ

منهم كان زوجيَ الثاني وهذا القوادُ الأخير

هذا الرجل يريد أن يُسْلِمَ جسدي لابنه

يا ولدي لا تَتْرُكْنِي لهذا القبيحِ المعتوه

فقد عَلَقَ الترابُ بهامتي كما ترى يا ولدي

بعدما كنتُ أعلى من الجبلِ الأشَمّ

لم يكن حالُ قومي وقتَ عُذريتي كاليوم

كانوا مُلتفِّينَ حولي كالرجلِ الواحد

لم يبقَ منهم يا ولدي إلا المواكبُ والموائدُ والقِمَمْ

أرجوك ان تحفظَ في صَدرِكَ وصيتي

انصت إليَّ يا ولدي ولا تكنْ كهؤلاءِ الرِمَمْ

فلم يعد لي غيرُكَ بعدما أكلهم الصَمَمْ

مَن استرعى الذئبَ يومًا... يا ولدي فقد ظَلَمْ 

محمود علي ... في 1 / أغسطس / 2010 

لماذا بكى الخوف


لماذا يبكي الخوف

في لقاء بينه وبين الخوف على شواطئ الموت , أخذ يرثي أستاذنا الكريم (إيهاب محروس) شبح الخوف , متسائلا عن سبب بكاء , وما اضطره أصلا إلى اللجوء إلي شواطئ الموت حتى يذوق ما كان يحذر أتباعه منه ؟

لقاء مع الخوف على شواطئ الموت
للأستاذ ( إيهاب محروس ):


على شواطئِ الموتِ هناك...رأيتُ الخوفْ...رأيتُه يبكي
يبكي ويصرخْ
مُخْضَلَّةً لِحْيَتُه بالدموع .....مُخَضَّبَةً جَبْهَتُه بالسواد
على شواطئِ الموتِ هناك ...كان لي معه لقاء
عبث به الموتُ كما عبث هو بالحياة
سألتُه في حَيْرِةٍ....أحقاً تبكي ؟؟؟
قال نعم
قلتُ له : لقد كنتَ تَمْنَعُنَا الحياة ورفعَ الجباه ....وها أنت تبكي ؟؟
قال نعم
فالموتُ هو نهايتي لذا منه أُخَوِّفُكُم
فأحمي بذاك نفسي وَأَحْرِمُكُم متعةَ الحياة
على شواطئ الموت هناك ....رأيت الخوف
رأيته يبكي

وهذه محاولة متواضعة مني للإجابة على هذا السؤال 

وبالبطع فإن لهذا السؤال الكثير من الإجابات..... ولكن ها هي كما تخيلتها إجابتي
ولا شك عندي أن السؤال أجمل وأبلغ من الإجابة.... ولكن ها هي مزجاة بضاعتي
 
نحن أبكيناه وألجئناه إلي شواطئ الموت

قد تلاقينا أخيراً بعدَ ما عَزَّ اللقاء

وهجرنا النومَ أبداً و نعيمَ السُعداء

وارتحلنا من شتاتٍ و أقمنا غُرَباء

لا غربةً للدينِ أبداً بل همومَ النُبلاء

وأقمنا بين قومٍ لا يُؤَرِّقُهُمْ بقاء

لا بمَنْطِقِهِمْ نطقنا ولا يُعْوِزُهُمْ أبداً وفاء

نحنُ كنَّا من قريشٍ وهم بالألسنِ العَجْمَاء

طالبينَ العلمَ دوماً من غَيرِ بُأسٍ وعناء

قد سمعنا أمسُ عنهم واليومَ تَجْمَعُنا السماء

يومَ طَرَدوا الكفرَ يصرخ... فألقى الرايةَ الحمراء

فتجمعنا سوياً بعدَ وُدٍ و إِخَاء

رافعينَ المجدَ راية... والتوحيدُ لنا لِوَاء

و تعاهدنا جميعاً دونَ شِرْكٍ ورِياء

على ذَرِّ التُرْبِ كيلا تُبْصِرُ الأعينُ الزرقاء

ليت شعري... كيف نسجتُم و لَبَستُم من العلمِ الرِدَاء؟

يا أخي قد حلَّ فينا فكنا به الشرفاء

ولسنا كَشُيوخِكُم... منعمةٌ وجوهُهُم ظُرَفاء

قد أضحكوا القوما كثيرا والوقتُ وقتٌ للبكاء

قد تسلحنا به وهم بالعلم نالوا الثراء

لن يضرَّ الجندَ أبداً ما سيفعلُه الغثاء

و سَنُخرِسُ كل ذئبٍ وسنحرمُه العُواء

قد نزعنا الخوفَ عنَّا و رمينا للنساء

فشُفِينَ اليومَ منه و تولى للوراء

لم يعد للخوفِ فينا أيُ قَطْرٍ من دماء

وتركناه ذليلاً يرجو شرفةً للبقاء

بين (شُطْء) الموتِ يجثو ... وما من الموتِ إلتجاء


لن يحييه البحرُ أبداً ولن يُجْدِي نفعاً بكاء 


محمود علي ... في 10 / أغسطس / 2010 

الجمعة، 13 أغسطس 2010

لغة الصوت

(لغة الصوت)
أنت محتاج وأنت تسمع ( لغة الصوت) أن تكون يقظ النفس حي الإحساس , نفاذا إلى المعاني الغامضة , حسن التيقظ بالنبرات التي تدل علي ضمير اللفظ , سريع الخاطر في إدراك هذا الموج المتلاحق من الحركات المختلفة , فإذا كان الذي تسمعه كلاما يتلى أو ينشد كالشعر مثلا , وكان الذي ينشده قد عاش ساعة في معانيه حتى تلبس بها ونطق لسانه معبرا عن لسانها وعن لسان قائلها الأول - إن لم يكن هو ذلك الرجل - , كان عليك أن تكون لينا طيعا سريع التبدل جرئ النفس في غمرات العواطف , حتي يتاح لك أن تعيش أنت نفسك في هذه المعاني ساعة تتلي عليك وعندئذ تغشاك غمرة لذيذة تدب في غضون نفسك, فتحس كأنك تبعث بعثا جديدا في حياة جديدة حافلة بالصور التي قلما يدركها العقل إلا مشوهة متخالفة التركيب , فلا يزال يجهد في تلفيق أجزائها حتى لا يبقى من أصولها الحية الصريحة الصادقة شئ ألبتة . فإن استطعت يوما أن تجد في نفسك أنك مستطيع أن تكون علي هذه الصفة , فقد فهمت الشعر ونفذت إلي أغواره , وإن عجزت عن بيان ما فيه . وفي الناس , وقليل ماهم , قد أجادوا ( لغة الصوت ) إجادة بارعة , وإن كانوا في أكثر الأحيان لا يدركون أنهم يحسنون منها شيئا , وذلك لطول ما انطووا علي أنفسهم حتي غمروها في بحر النسيان , وربما سمعت أحدهم وهو يتكلم , فما يكاد ينطق حرفا أو حرفين حتي تحس كأن كل معاني نفسه تنسرب في نفسك واضحة بينة , وأنك قد عرفت منه ما يكاد يخفيه عن الناس جميعا , لأنه متكبر أو قانط أو هياب جزوع , وهذا الضرب من الناس هم أشد خلق الله حرصا على إخفاء ألامهم , وأبعدهم رغبة في الاستماع بالعذاب الذي يقاسمونه , لأنهم يظنون أنهم بذلك قد حازوا النصر علي ألامهم , وعلى الناس أيضا , إذ استطاعوا أن يواروا عنهم خبئ ما في نفوسهم الحزينة المعذبة .
من جمهرة مقالات ( أبي فهر ) - رحمه الله - بتصرف هين