السبت، 29 أكتوبر 2011
الأحد، 23 أكتوبر 2011
الأحد، 21 أغسطس 2011
السبت، 20 أغسطس 2011
الأحد، 24 يوليو 2011
علي و Einy واللقاء الأخير
الحلقة الخامسة
لم يكن خروج ( علي ) إلى ( الإسكندرية ) مجرد صدفة كما قد يظهر من حاله في الذهاب وفي الإياب
بل كانت تحركه أشياء داخليةٌ لم يكن يعلمها
تلك الأشياء قد تكون من قبيل عشق الصور عندما يُفقد الأصل , فالبحر لم يكن ذلك البحر الذي كان يحدثه ( علي ) , ولكنه كان يتحدث إلى صورةٍ لبحرٍ آخر , مجرد صورة فقط
أنت أيضا , فتش في حالك , ستجد أنك تقع في عشق الصور هروباً من هجر الأصل وفقده , ولربما تُمزِّق كثيراً من الصور انتقاماً من الأصل لأن حبك لهذا الأصل يمنعك ويقيدك وكأنك أسيره
فتتوجه بطريقة تلقائية إلى حائطِ صد , تفرغ فيه حبك وكبرياءك وربما انتقامك
فالحذرَ الحذرَ من رجلٍ فقد الأصل ولم يبق أمامه إلا الصور , فهذا الرجل يسكن بداخله شيطانٌ فاجر , وبحرٌ هادر , ووحشٌ كاسر , وعقلٌ ماكر , وقلبٌ على الرغم من معاني الحب العظيمة التي تسكنه فاتر
- ييييييييييييييييه إنت تاني , وإيه ده كمان ؟ إحنا خلصنا من الصورة ثنائية الأبعاد , هاتظهرلي بأبعاد ثلاثية ؟
- ماذا ؟ ماذا تقول يا ( علي ) ؟ لم أفهمك , هل تتعجب من طريقة ظهوري كالعادة ؟
يا ( علي ) ألم أخبرك من قبل أن التجديد هو روح الحياة
ثم تعال هنا , لقد جعلتني أنسى , عوداً حميداً , هل ذهابك إلى هناك أراحك بعض الشيء , والله كدت أبكي وأنا أسمعك تخاطب البحر , فأنا أدرى الناس بحالك يا ( علي )
نظر ( علي ) إليه غير مكترث بما يقول وكأنه قد تعود عليه وعلى مفاجآته
كان مستلقياً على فراش ( علي ) واضعاً ساقاً على ساق ومنهمكاً في قراءة كتابٍ كان ممسكاً به بين يديه , وملتقماً ( غليونه ) وهو في قمة تركيزِه
- من أدراكَ أنني ذهبتُ إلى هناك ؟ وكيفَ كنتُ تسمعني ؟ هل كنت بجانبي مختبئاً فلم أرك ؟
- ههههههههه , لا , لم أكن بجانبك , بل داخلك يا ( علي ) , لماذا لم تفهم حتى الآن ؟ أم لا تريد أن تفهم ؟
- إليك عني فقد مللتك , ماذا تقرأ ؟ من هذا ؟
أوووووف ( كيف تمسك بزمام القوة - روبرت جرين ) !!!
- نعم , هل تعرفه ؟
- أعرفه ؟! بالطبع .. لقد تسبب في أن يظهر لي أنيابٌ ومخالب , بعدَ أن كنتُ حَملاً وديعاً , يا له من مُجرم
- هههههههه , حقاً , هو سفاحٌ بالفعل
- أخبرني , هل استرحتَ قليلاً هناك ؟
- نعم , قليلاً , فلقد بعثتُ برسالتي الأخيرة , حتى وإن لم تصل كالعادة , ولكن تكفيني المحاولة
- عظيم , هل تعلم يا علي أنني تعلمت من بين سطور كلمات " روبرت جريت " المعنى الحقيقي للخيانة ؟ هل تعرف هذا المعنى ؟
- الخيانة ؟! الخيانة محرمةٌ في ديننِا , لأن الله عزَّ وجل يقول : .....
- لا لا , نحن نريد أن نتحدث في القدر المشترك بيني وبينك , وهو المشاعر الإنسانية التي لا خلاف عليها بين البشر
- اممممممم , حسناً , الخيانة كما أفهمها تكون نتيجة لأحدِ شيئين أو كليهما معاً
- ها , أكمل , كلي آذانٌ مصغية , ولكن لا تُسهب , أنا أفهمك بمجرد التلميح , لأنني كما قلت لك أسكن داخلك
- طيب , بالنسبة لخيانة المحب , فالرجل غالباً يلجأ إلى الخيانة لشديد حبه , أو رغبة منه للإنتقام ممن أحب
- نعم , هل تقصد أنه يخون لينتقم ممن يحبه لهجرٍ قد وقع ووصلٍ قد قُطِع ؟ هل للأمر علاقة بالصور وعشقها ؟
- أكيد , فالرجل لا يلجأ إلى الصور إلا لغياب الأصل , فيعشقها إذا أراد الوصل , وربما يمزقها إذا غلبته روح الإنتقام
- رائعٌ أنت يا ( علي ) عندما تتحدث في القدر المشترك بيننا , وتكون أكثر روعة عندما أسمعك تتحدث عن الزمن , لأنه أيضاً من الاشياء التي تجمعنا
كلانا يقاتل في نفس الميدان , وفي أيدينا أسلحة تتشابه في مجملها ولكنها قد تختلف في بعض التفاصيل
- أرجوك يا ( آيني ) أمهلني قليلاً فأنا لا أريد أن أتذكر الزمن وعقارب الساعة , أنا مرهقٌ جدا , و ( آيني ) تؤلمني هههههههه
- هههههههههههههه , عجيب , تضحك وحلقك يكاد يتمزق من الغُصَّة ! , وتبكي من الفرحة !
ولكن هذه من الأشياء التي تعجبني فيك أيضا , الحرية , والخيال , بل الحرية في الخيال
كلما أنظر إلى تلك الصورةِ المعروضةِ أمامَك على الشاشة أتذكرك , فيها تلخيص جميل لحالك يا ( علي ) , فالخيال في وجهة نظري أهم من المعرفة
ولكن لن أتركك إلا بعد أن تحدثني قليلاً عن مفهومك للزمن , لأنني سأبدأ قريباً في سردِ الأسرار
ها , ما هي أروع المقولات التي قرأتها لغيرك فيما يخص الزمن
- فيما يخص الزمن ؟ اممممممم , هل تعرف ( سِيَبوَيْه ) ؟
- أكيد .. و مَن ينكره ؟
- كلما أتذكر تعريفه للأفعال في العربية تصيبني القشعريرة , هكذا يكون كلام العباقرة
- ها وماذا قال ؟
- قال في ( الكتاب ) في شرح أنواع الأزمان وما يرتبط بها من أفعال :
" فأمَّا الفِعْلُ فأمثلةٌ أُخِذَتْ مِن لَفظِ أحداثِ الأسماءِ وَبُنِيَتْ لِمَا مَضَى , وَمَا يكونُ ولم يَقَعْ , وَمَاهُوَ كائِنٌ لا يَنقَطِعْ "
- صدقتَ , كلامٌ رائع , على الرغم من خلافي معه بعض الشيء في مفهومه هذا , فأنا أرى أنه بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس هناك سوى وهم في تفكير العقل البشري
لاحظ يا ( علي ) أنَّ الأوقات الحزينة نشعر أنها طويلةٌ ثقيلة , بينما الأيام المليئة بالسعادة تمر كالدقيقة , هذه هي النسبية ببساطة
ولكن لا ضير , سأتركك تستريح الآن , وسنبدأ رحلتنا مع الزمن قريباً يا ( علي ) فالنهاية قد اقتربت وسنتابع المرة القادمة , وسأقولها لك أنا هذه المرة
فلن تقرأها لأنني أريد منك أن تركز طويلاً وتتأمل هذه الصورة المعروضة على الشاشة حتى تنطبع في ذِهنِك
:)
To be continued
الأربعاء، 13 يوليو 2011
علي و Einy واللقاء الأخير
الحلقة الرابعة
صخبٌ وجلبة , هواءٌ ملوث , صياح , صراخ , سبابٌ من سائقي سيارات الأجرة , صوتٌ مزعجٌ ومتداخلٌ من منبهات الشاحنات , زحامٌ شديدٌ جدا
هذا هو حال أحد الميادين الشهيرة في قلب العاصمة المصرية ( القاهرة )
هكذا قرر ( علي ) وبدون أي مقدمات أن يكسر عزلته شيئاً ما
خرج من حجرته , تقوده قدماه إلى وجهةٍ معينة , لم ينتبه إلا و قد وصل إلى ذلك الميدان
أخذ يتفحص في وجوه الناس , نفس الوجوه , نفس الإنزعاج والقلق والتجهم
سارحاً واجماً أخذ يأكل الأرض بقدميه , تعثر كثيرًا بالمارَّة , بل هم من تعثروا واصطدموا به في الواقع
لكنه وفي كل مرةٍ يصطدم به شخصٌ يتوجه إليه بالإعتذار مبتسماً وقائلاً :
آسف
فينظر إليه ذلك الشخص من أعلى إلى أسفل ثم العكس , وينصرف
فيندهش ( علي ) ... لماذا ؟ ما بال الناس ؟
هل حدث تغيرٌ جِذريّ في أحوال الناس أثناء الفترة التي قضاها وحيدًا منعزلاً في حجرته جعلهم يتصرفون بهذا الشكل
الغريب أنك تجد في هذا الميدان المزعج البائس حديقة في وسطه
أجل ... حديقة ولكن ليست كسائر الحدائق , لم يكن يكسوها اللون الأخضر , بل سوداء , هل سوداء بسبب عوادم السيارات ؟ أم بسبب سواد قلوب من يقودون تلك السيارات ؟ لا تدري
إلا أن المؤكد أنها حديقة يكسو حشائشَها وأشجارَها بل وأزهارَها اللونُ الأسود
جلس ( على ) على أحد المقاعد الموجودة في الحديقة , وأخذ يقول في نفسه :
- لماذا يصطدم الناس بي على هذا الوجه , هل هم متعمِّدون ؟! هل هم مختلفون عني ؟ أم أنا المختلف عنهم ؟
ولكن إذا كانوا هم المختلفون المتميزون عني جميعًا لماذا يتعمدون الإصطدام بي على هذا النحو ؟!
هل يبدو على ملامحي أنني شخصٌ غريبُ الأطوار ؟ مجنون ؟
يبدو أن شيئاً غريباً قد حدث
ثم قرر أن ينهضَ ويستمِرَّ في السير
فاجأة وجد نفسه أمام شباك التذاكر قائلاً للموظف المسؤول :
- تذكرة إسكندرية من فضلك
- 37 جنيه
- ليه ؟ هي الأسعار زادت ؟
- 35 جنيه ثمن التذكرة , و 2 جنيه تبرع للهلال الأحمر
- هو فيه تبرع إجباري ؟
- إذا كان عاجبك , خلصني , ورانا شغل
- انزعج علي من ردة فعل الرجل , واستسلم وقام بدفع الملبغ المطلوب
منذ آخر زيارة زار فيها الطبيب والوقت يمر على ( علي ) بسرعة رهيبة على غير عادته
لقد أدمن النظر إلى عقارب الساعة , حتى أنه ظل ينظر إلى ساعة يده أثناء الطريق
إلى أن وصل القطار إلى المحطة النهائية
- السلام عليكم
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- فين يا شيخنا ؟ , سأل سائق التاكسي ( علي )
كان هذا السائق شاباً يبدو عليه مظاهر الإلتزام الديني , لحية , وشريط (كاسيت) لخطبة مسجلة لأحد الدعاة
- أي حتة , أقولك , وديني البحر
- ماشي , بقولك يا مولانا .. إيه رأيك في اللي بيحصل في البلد ؟
البلد هاتتغير ولا هانفضل كدة ؟
أنا عايز أعرف إحنا مفروض نعمل إيه ؟
- نظر إليه ( علي ) , وبعد لحظاتٍ من الصمت , أجابه بتلك العبارات التي وجدها السائق غامضةً وغريبةً بعض الشيء :
- مش عارف , بس أكيد لازم حاجة تحصل , الثبات شيء مستحيل , والتغيير سنة , والوقت مناسب جداً للتغيير , بس مين اللي هايغير وإيه هي نتيجة التغيير , الله أعلم
اللي أنا متأكد منه إن التغيير هايبدأ من عندكم هنا
- نظر إليه السائق في المرآة , ثم قال في نفسه : من عندنا هنا ؟ يقصد إيه ؟
وبعد قليل , وصل ( علي ) إلى مكان ما على البحر اختاره له السائق
كان يوما من أيام الشتاء القارص , الرياح شديدة جداً ، الموج عالٍ , ماء البحر أغرق الطريق بالكامل , بل وملأ ماءه مداخل المنازل في الجهة الأخرى من الطريق
وقف ( علي ) أمام البحر مباشرة و الدخان يخرج من فمه كالسحابة من شدة البرد
ولكنه غير عابئ بأي شيء , بل لم يكن يرتدي ثياباً تتناسب مع هذه الظروف الجوية , وكأنه لم يكن يدري هل هو الصيف أم الشتاء
أخذ يتحدث بصوتٍ مسموعٍ بعض الشيء
- أيها البحر , لعله يكون آخر عهدي أنا بك , فالأطباء قد اجتمعوا على ذلك , وكبيرهم المغرور أكد ذلك
عقارب الساعة توشك أن تتوقف , وأنا أنظر إليها كل يوم , لا لأبطئ من سيرها لا , بل لأتعجل قدوم ملاكي الحصري , فهذا آخر آمالي من الدنيا
أنا لا أريد أن يغمض عيني إلا ملاكي , فأنت كما تعلم أيها البحر قد تحجرت جفوني
وأنا على يقينٍ أن عقارب الساعة ستتوقف وأنا على هذا الحال , وليس لي من الدنيا إلا ذلك الملاك
أعلم أيها البحر أنك تحدث نفسك وتقول :
ويحك أيها الرجل , أفي كلِّ عامٍ تأتي وأنت على هذا الحال ؟ تتحدث إلي , تبكي ؟
وعندما أتوقف قليلاً لأسمعك , وأسمع قصتك تختلط دموعك بمائي !!
عجبًا لك أيها الإنسان , لقد تسببت في هلاك ما في جوفي من ثمين الدرر , يكفي هذا
أما ما يتعلق بملاكك الحصري هذا , فأنا لا أستطيع أن أفعل لك شيئا , فأنت في كل مرةٍ تفوضني أن أبعث برسالةٍ له كل عام , وفعلا , أستقبل رسالتك , ولكن يبدو أنه لا وجود لهذا الملاك على كوكبنا
وعن هذا اللقاء الأخير , أقول لك , على الرغم من أنك ترهقني وتزعجني كل عامٍ إلا أنني سوف أفتقدك
إليّ برسالتك الأخيرة , فلربما تلقى هذه الرسالة آذاناً مصغية , وقلباً حياً
بعدها أخرج ( علي ) من جيبه ورقةً يبدو أنها الرسالة الأخيرة وأحكم طيها ثم قذفها في البحر
كان الجو قد تحسن قليلا , هدأت الأمواج , وتوقفت الرياح , فقط ظلت بعض الأمطار تتساقط من السماء
كان ( على ) في حالةٍ يُرثى لها
فاجأة شعر بيدٍ صغيرةٍ تجذب طرف " البنطلون " السفلي من الخلف , وسمع صوتاً طفولياً عذباً
- عمو , السلام عليكم , خد
التفت ( علي ) إلى الخلف , فإذا بفتاةٍ صغيرةٍ جمالها أخاذ , تمد يديها إليه ( بشال ) , من الصوف كالذي ترتديه النساء في الشتاء
أخذه منها ووضعه على كتفيه وبعدها أخذ ينفث في كلتا يديه محاولاً أن يقاوم برودة الجو
ثم ابتسم لها قائلاً :
- اسمك إيه ؟
- عائثــة :)
مسح يده على شعرها ومازالت الإبتسامة تداعب شفتيه
وقال لها : good girl , قصدي ... جزاكم الله خيرا يا ( عائشة )
بعدها اتجهت الفتاة مسرعةً إلى امرأةٍ كانت تقف في انتظارها مراقبة المشهد من بعيد
امرأة لا يظهر منها أي شيء , تمسك بمظلة ( شمسية ) تضعها فوق رأسها , وعندما وقع نظر ( علي ) عليها , أشاحت ببصرها بعيدا وكذلك فعل ( علي )
أمسكت بيد الفتاة الصغيرة, وانصرفا سويًا
بعدها أوقف ( علي ) سيارة أجرة , طالباً من السائق أن يقوم بتوصيله إلى
( محطة مصر )
في أثناء الطريق , تذكر ( آيني ) , تذكر كلامه عن ذلك المصير الواحد , و تلميحاته بأن العمل سيبدأ قريباً , أخذ يتساءل كيف سيساعده ( آيني ) , وبماذا سيساعده هو ؟
وتذكر كلامه عن ( السيميائي ) وعندها ابتسم , لأن الرسالة الأخيرة التي ألقى بها إلى البحر , كانت الصفحة الأولى من رواية ( الجبل الخامس )
والتي كانت تتضمن جملة قالها الملك للراعي " سانتياجو " :
( عندما تريد شيئًا بصدق , فإن الكون كله سيشاركك ويساعدك على إنجازه )
هل تكون الرسالة الموجودة في البدايات , نقطة انطلاق نحو نهاية سعيدة ومن ثم بداية جديدة ؟
هكذا تساءل
ثم أخذ يحدث نفسه :
هل سيأتي اليوم الذي تتوقف فيه الأحداث مع صديقه ( آيني ) دون أن يقرأ هذه العبارة
To be continued
هذا هو حال أحد الميادين الشهيرة في قلب العاصمة المصرية ( القاهرة )
هكذا قرر ( علي ) وبدون أي مقدمات أن يكسر عزلته شيئاً ما
خرج من حجرته , تقوده قدماه إلى وجهةٍ معينة , لم ينتبه إلا و قد وصل إلى ذلك الميدان
أخذ يتفحص في وجوه الناس , نفس الوجوه , نفس الإنزعاج والقلق والتجهم
سارحاً واجماً أخذ يأكل الأرض بقدميه , تعثر كثيرًا بالمارَّة , بل هم من تعثروا واصطدموا به في الواقع
لكنه وفي كل مرةٍ يصطدم به شخصٌ يتوجه إليه بالإعتذار مبتسماً وقائلاً :
آسف
فينظر إليه ذلك الشخص من أعلى إلى أسفل ثم العكس , وينصرف
فيندهش ( علي ) ... لماذا ؟ ما بال الناس ؟
هل حدث تغيرٌ جِذريّ في أحوال الناس أثناء الفترة التي قضاها وحيدًا منعزلاً في حجرته جعلهم يتصرفون بهذا الشكل
الغريب أنك تجد في هذا الميدان المزعج البائس حديقة في وسطه
أجل ... حديقة ولكن ليست كسائر الحدائق , لم يكن يكسوها اللون الأخضر , بل سوداء , هل سوداء بسبب عوادم السيارات ؟ أم بسبب سواد قلوب من يقودون تلك السيارات ؟ لا تدري
إلا أن المؤكد أنها حديقة يكسو حشائشَها وأشجارَها بل وأزهارَها اللونُ الأسود
جلس ( على ) على أحد المقاعد الموجودة في الحديقة , وأخذ يقول في نفسه :
- لماذا يصطدم الناس بي على هذا الوجه , هل هم متعمِّدون ؟! هل هم مختلفون عني ؟ أم أنا المختلف عنهم ؟
ولكن إذا كانوا هم المختلفون المتميزون عني جميعًا لماذا يتعمدون الإصطدام بي على هذا النحو ؟!
هل يبدو على ملامحي أنني شخصٌ غريبُ الأطوار ؟ مجنون ؟
يبدو أن شيئاً غريباً قد حدث
ثم قرر أن ينهضَ ويستمِرَّ في السير
فاجأة وجد نفسه أمام شباك التذاكر قائلاً للموظف المسؤول :
- تذكرة إسكندرية من فضلك
- 37 جنيه
- ليه ؟ هي الأسعار زادت ؟
- 35 جنيه ثمن التذكرة , و 2 جنيه تبرع للهلال الأحمر
- هو فيه تبرع إجباري ؟
- إذا كان عاجبك , خلصني , ورانا شغل
- انزعج علي من ردة فعل الرجل , واستسلم وقام بدفع الملبغ المطلوب
منذ آخر زيارة زار فيها الطبيب والوقت يمر على ( علي ) بسرعة رهيبة على غير عادته
لقد أدمن النظر إلى عقارب الساعة , حتى أنه ظل ينظر إلى ساعة يده أثناء الطريق
إلى أن وصل القطار إلى المحطة النهائية
- السلام عليكم
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- فين يا شيخنا ؟ , سأل سائق التاكسي ( علي )
كان هذا السائق شاباً يبدو عليه مظاهر الإلتزام الديني , لحية , وشريط (كاسيت) لخطبة مسجلة لأحد الدعاة
- أي حتة , أقولك , وديني البحر
- ماشي , بقولك يا مولانا .. إيه رأيك في اللي بيحصل في البلد ؟
البلد هاتتغير ولا هانفضل كدة ؟
أنا عايز أعرف إحنا مفروض نعمل إيه ؟
- نظر إليه ( علي ) , وبعد لحظاتٍ من الصمت , أجابه بتلك العبارات التي وجدها السائق غامضةً وغريبةً بعض الشيء :
- مش عارف , بس أكيد لازم حاجة تحصل , الثبات شيء مستحيل , والتغيير سنة , والوقت مناسب جداً للتغيير , بس مين اللي هايغير وإيه هي نتيجة التغيير , الله أعلم
اللي أنا متأكد منه إن التغيير هايبدأ من عندكم هنا
- نظر إليه السائق في المرآة , ثم قال في نفسه : من عندنا هنا ؟ يقصد إيه ؟
وبعد قليل , وصل ( علي ) إلى مكان ما على البحر اختاره له السائق
كان يوما من أيام الشتاء القارص , الرياح شديدة جداً ، الموج عالٍ , ماء البحر أغرق الطريق بالكامل , بل وملأ ماءه مداخل المنازل في الجهة الأخرى من الطريق
وقف ( علي ) أمام البحر مباشرة و الدخان يخرج من فمه كالسحابة من شدة البرد
ولكنه غير عابئ بأي شيء , بل لم يكن يرتدي ثياباً تتناسب مع هذه الظروف الجوية , وكأنه لم يكن يدري هل هو الصيف أم الشتاء
أخذ يتحدث بصوتٍ مسموعٍ بعض الشيء
- أيها البحر , لعله يكون آخر عهدي أنا بك , فالأطباء قد اجتمعوا على ذلك , وكبيرهم المغرور أكد ذلك
عقارب الساعة توشك أن تتوقف , وأنا أنظر إليها كل يوم , لا لأبطئ من سيرها لا , بل لأتعجل قدوم ملاكي الحصري , فهذا آخر آمالي من الدنيا
أنا لا أريد أن يغمض عيني إلا ملاكي , فأنت كما تعلم أيها البحر قد تحجرت جفوني
وأنا على يقينٍ أن عقارب الساعة ستتوقف وأنا على هذا الحال , وليس لي من الدنيا إلا ذلك الملاك
أعلم أيها البحر أنك تحدث نفسك وتقول :
ويحك أيها الرجل , أفي كلِّ عامٍ تأتي وأنت على هذا الحال ؟ تتحدث إلي , تبكي ؟
وعندما أتوقف قليلاً لأسمعك , وأسمع قصتك تختلط دموعك بمائي !!
عجبًا لك أيها الإنسان , لقد تسببت في هلاك ما في جوفي من ثمين الدرر , يكفي هذا
أما ما يتعلق بملاكك الحصري هذا , فأنا لا أستطيع أن أفعل لك شيئا , فأنت في كل مرةٍ تفوضني أن أبعث برسالةٍ له كل عام , وفعلا , أستقبل رسالتك , ولكن يبدو أنه لا وجود لهذا الملاك على كوكبنا
وعن هذا اللقاء الأخير , أقول لك , على الرغم من أنك ترهقني وتزعجني كل عامٍ إلا أنني سوف أفتقدك
إليّ برسالتك الأخيرة , فلربما تلقى هذه الرسالة آذاناً مصغية , وقلباً حياً
بعدها أخرج ( علي ) من جيبه ورقةً يبدو أنها الرسالة الأخيرة وأحكم طيها ثم قذفها في البحر
كان الجو قد تحسن قليلا , هدأت الأمواج , وتوقفت الرياح , فقط ظلت بعض الأمطار تتساقط من السماء
كان ( على ) في حالةٍ يُرثى لها
فاجأة شعر بيدٍ صغيرةٍ تجذب طرف " البنطلون " السفلي من الخلف , وسمع صوتاً طفولياً عذباً
- عمو , السلام عليكم , خد
التفت ( علي ) إلى الخلف , فإذا بفتاةٍ صغيرةٍ جمالها أخاذ , تمد يديها إليه ( بشال ) , من الصوف كالذي ترتديه النساء في الشتاء
أخذه منها ووضعه على كتفيه وبعدها أخذ ينفث في كلتا يديه محاولاً أن يقاوم برودة الجو
ثم ابتسم لها قائلاً :
- اسمك إيه ؟
- عائثــة :)
مسح يده على شعرها ومازالت الإبتسامة تداعب شفتيه
وقال لها : good girl , قصدي ... جزاكم الله خيرا يا ( عائشة )
بعدها اتجهت الفتاة مسرعةً إلى امرأةٍ كانت تقف في انتظارها مراقبة المشهد من بعيد
امرأة لا يظهر منها أي شيء , تمسك بمظلة ( شمسية ) تضعها فوق رأسها , وعندما وقع نظر ( علي ) عليها , أشاحت ببصرها بعيدا وكذلك فعل ( علي )
أمسكت بيد الفتاة الصغيرة, وانصرفا سويًا
بعدها أوقف ( علي ) سيارة أجرة , طالباً من السائق أن يقوم بتوصيله إلى
( محطة مصر )
في أثناء الطريق , تذكر ( آيني ) , تذكر كلامه عن ذلك المصير الواحد , و تلميحاته بأن العمل سيبدأ قريباً , أخذ يتساءل كيف سيساعده ( آيني ) , وبماذا سيساعده هو ؟
وتذكر كلامه عن ( السيميائي ) وعندها ابتسم , لأن الرسالة الأخيرة التي ألقى بها إلى البحر , كانت الصفحة الأولى من رواية ( الجبل الخامس )
والتي كانت تتضمن جملة قالها الملك للراعي " سانتياجو " :
( عندما تريد شيئًا بصدق , فإن الكون كله سيشاركك ويساعدك على إنجازه )
هل تكون الرسالة الموجودة في البدايات , نقطة انطلاق نحو نهاية سعيدة ومن ثم بداية جديدة ؟
هكذا تساءل
ثم أخذ يحدث نفسه :
هل سيأتي اليوم الذي تتوقف فيه الأحداث مع صديقه ( آيني ) دون أن يقرأ هذه العبارة
To be continued
الأربعاء، 6 يوليو 2011
علي و Einy واللقاء الأخير
الحلقة الثالثة
ربي إني مسنيَ الشيطانُ بنُصبٍ وعذاب
اللهمَّ إني لا أعلم ما يحدث لي
هل أنا في عالم الواقع ؟!
هل أنا أحلم ؟!
هل .............
وقبل أن ينهي ( علي ) هذا التضرع بين يدي ربه , تجمدت الدماء في عروقه , لقد سمع صوتا مألوفا يبدو أنه يصدر من جهاز الحاسب الشخصي له
التفت سريعًا متوجهًا إلى مصدر الصوت فإذا ب ( آيني ) أمامه
لاحظ أن ضوءًا ما يخرج من الكاميرا الخاصة بالجهاز , ضوء يميل إلى اللون الأزرق يسقط آشعة ما على الحائط , عندما ترى المشهد تتذكر على الفور أجهزة (projectors) الضوئية
توجه إلى ( أينشتاين ) بالسؤال على الفور
- ما الذي يحدث , أخبرني هل أنت شيطان ؟! وما هذه الطريقة الجديدة ؟!
- شيطان ؟ أعوذ بالرب من الشيطان , و التجديد شيء جميل , كما أن التدرج شيء رائع , ومن يدري لعله يأتي اليوم الذي أصافحك فيه هههههههه
- رب ؟ أي ربٍ يا هذا ؟ هل تؤمن بالرب ؟
- مهلا يا ( علي ) وهل يستطيع المرء منا أن يعيش بدون الإيمان ؟
انظر إلي حالك , أنت فاقدٌ لجميع وسائل الحياة , أنت ميتٌ يا ( علي ) إلا أنه يسري في عروقك بعض الأشياء التي تبقيك حيًا
انظر حولك , قطة , وبعض الكتب ومن بينها كتابك المقدس , وجهازك الشخصي
أفِق يا ( علي )
- ماذا تقصد ؟! يبدو أنك شيطانٌ حقًا , ويبدو أنني أعاني من المس
- هههههههههههههههههه , يالك من أحمق !!
أخبرني , ماهي أول رواية قرأتَها في حياتك ؟
- وما علاقة ذلك بما كنا بصدده ؟ ليس هذا شأنك أساسًا
- أووووه , لقد أرهقتني يا ( علي ) , أنت تجادلني بأشد ما كان عليه الجدال بيني وبين
( نيلي )
- من نيلي هذا ؟
- ( نيلي ) , إنه عدوي اللدود , وصديقي الحميم ( نيلز بور - Niels Bohr )
المهم الآن , أخبرني , ما هي تلك الرواية ؟ ماذا كان اسمها ؟
- ولماذا لم تسألني عن آخر الروايات التي قرأتها , لماذا الأولى بالذات ؟
- لأن الأمر ببساطة يكمن غالبًا في البدايات , الآن أخبرني
- أظنها كانت ( الجبل الخامس )
- أها , ( باولو كويلو ) , ذلك القديس المؤمن , حسنًا إذن , ماذا قرأت في أول صفحة منها
- كان يتحدث عن روايته السابقة لهذه الرواية , ( الخيميائي - الكيميائي )
- أوك , الآن أنصحك أن تعيد قراءة هذه الصفحة مرة آخرى , حتما ستجد الرسالة التي كانت موجهة لك , تذكر دائما قيمة البدايات
ربما لا ينتبه الكثير منا إلى ذلك , لا بأس , فالرسائل لا تموت , وما عليك إلا أن تستعيد شريط الأحداث , الرسائل القديمة لا تموت أبدا يا ( علي )
سأعطيك مثالا للرسائل التي ساقها القدر إليَّ , ولكن أجبني أولاً على هذا السؤال
- تفضل , اسأل كما يحلو لك يا ( بروف )
- جميلة كلمة ( بروف ) , ولكن عاهدني أولا أنك لن تضحك , أنا لا أريدك أن تضحك اتفقنا ؟
- اتفقنا , هذا أمر يسير جدا على مثلي
- أخبرني متى كانت أول مرة تمس يدك امرأة ؟
أنا أعرف أنك متدين , وسلفي وربما ينعتك بعض الناس بالإرهابي ههههههههه
لذلك سأكرر عليك السؤال ولكن بطريقةٍ أخرى
ها , متى كانت أول مرة تمس يدك امرأة تحل لك ؟
- لا , لن أخبرك إلا بعد أن تروي عليَّ أنت أولا
- تراجعت ؟ حسنًا , اتفقنا
- هل كان الأمر متعلقًا بالنساء يا ( بروف ) ؟
-نعم , وماذا غير النساء يا بنيَّ ؟!
خلاصة الأمر أنني كنت أعبر الطريق في يومٍ من الأيام , التفتُّ جانبًا فإذا بي أنظر إلى أجمل فتاةٍ رأيتها في الكون , شابة , غاية في الجمال يا ( علي )
- وماذا حدث ؟
- لا شيء , تظاهرت أنني أساعدها في عبور الطريق , حتى لا تتأذي فالسيارات كانت تسير بسرعة جنونية , على الأقل بالنسبة لي :)
- وماذا فعلتَ ؟
- حاولتُ جاهدًا أن أضعَ كفي الأيمن على ظهرها من أعلى , وقفت على أطراف أصابعي , وبعد محاولاتٍ فاشلة , نجحتُ في المهمة وساعدتها في العبور :)
- وماذا فعلتْ هي ؟
- نظَرَتْ إليَّ نظرةً لن أنساها ما حييت , وابتسمَتْ
ثم مسَحَتْ بيدها على شعري وقالت ( ولد طيب ) ( good boy ), مما أصابني بالإحباط , كدتُ أخرِج لساني من فمي وألهث متقمصًا دور الكلب المطيع
وتذكرت على الفور أني مازلت طفلاً لم أكمل عامي العاشر هههههههههههه
- ولكن أنا لم أفهم , أين الرسالة التي ظننت أن القدر على حد تعبيرك قد بعثها إليك ؟
- الرسالة هي : " لن تجد ما تبحث عنه في المكان الذي تتوقع أن تجده فيه غالباً " هههههههههههههههههههههههه
- ههههههههههههههههههه , على فكرة يا ( بروف ) , إنت أخلاقك مش تمام , وفأري كمان
- لم أفهم , ولكني لاحظت أنك قلت أنني " فأري" , لا يا ( علي ) أنا من سلالة البشر مثلك تمامًا , هل أبدو لك حقًا كالفأر ؟!
يبدو أنك ستعلمني العامية المصرية قريبًا
- كل شيء جايز , ولكن هل تعلم يا ( بروف ) لقد صدقت
ليس من الضروري أن تجد الأشياء في الأماكن التي جرت العادة أن تتواجد فيها , فإن وجدتها هنالك , فاعلم أنك لست مميزًا , أو أنها ليست بالأهمية التي كنت تتوقع
- الآن يا ( علي ) , جاء دورُك , أخبرني عن المرة الآولى
- نفس الموقف تمامًا , إلا أنني كنت شاباً , والفتاة الجميلة كانت زوجتي
- زوجتك ؟!
ولماذا تتكلف في أن تلمسها مادامت زوجتك ؟ هل هناك ما يمنع من ذلك في دينك ؟ أنا قرأتُ جيدًا عن عقيدتك ولكني لم أنتبه إلى ذلك
- لا لا , انتظر يا ( بروف ) , لقد كانت زوجتي حقاً ولكننا كنا مازلنا في فترة العقد , تستطيع أن تقول فترة الخطوية حتى أقرب لك الأمر
- أها , الآن فهمت , ولكن هل وجدتَ أنتَ ضالتك
- هههههههههههههههههه , نعم
- أخيرًا سمعت صوت ضحكتك أيها المتجهم ؟!
الآن أنت لم توفِّ بوعدك , لقد ضحكتَ , لا يهم , أخبرني , أين الرسالة ؟
- معقولة ؟ ألم تفهم , لقد تعلمتُ من هذا الموقف أن " المعضلات والمشاكل ليست دائمًا بالسوء التي تظهر عليه " :))
- الآن فهمتك , ألم أخبرك من قبل أنني أرى المستقبل في عينيك يا ( علي )
عيناك تقول شيئًا ما , لست شخصًا عادياً
هل علمتَ الآن لماذا أتيتُ إليك أنتَ بالخصوص
- لعلها رسالة من ضمن الرسائل ؟!
- نعم , وقد تكون من أهمها , بعد الرسالة الأولى بالطبع , هل كنت تحبها ؟
- نعم , ومازلت
- وماذا تعني كلمة الحب بالنسبة لكم أيها المتدينون ؟
أقصد ماذا كان يخطر في بالك كلما نظرت إليها ؟
- عندما كنت أنظر في عينيها , أشعر أن الله قد بعث لي ملاكاً من السماء , لا يستطيع أن يراه أحدٌ على الأرض إلا أنا وحدي وهي لا ترى سواي , لأنها ببساطة ملاكي أنا , تمامًا كما أخبرتني من قبل بشأن الحصرية
كانت ملاكي الحصري يا ( آيني )
وبدأت عينا علي تمتلئ بالدموع , إلا أنه حبسها
- آهٍ يا ( علي ) , كلمة " كانت " , تفعل بي الأفاعيل , لا أحب هذه الكلمة أبداً
اعتدت دائماً أن أقهر الزمن , إلا أنها تؤلمني
أنا أعلم أنك تجتهد ألا تبكي , ولكني أنصحك أن تفعل
ابكِ , فالحرية الحقيقية بالنسبة للرجل تكمن في أن يضحكَ وقتما يشاء وأن يبكي كيفما يريد , ولا ضير أن يصرخ , هل تريد أن تصرخ بأعلى صوتك يا بنيّ ؟!
- نعم , ولكن هل يستقيم ذلك مع الرجولة ؟
- بالطبع , لقد ضحكنا كثيرا , فلا تستحي أن تبكي ولو قليلا , هيا يا بني
الآن أخبرني ماذا قال لك الطبيب في الزيارة السابقة
- من أدراك بشأن الطبيب ؟ هل تراقبني ؟
- لا , أبداً , ولكنني أحاول أن أساعدك على البكاء
انتبه يا بني , الزمن هو الحياة
أنا رجلٌ طاعنٌ في السن , وأنت كما يعلم كلانا أنك لست في أحسن حال , إذن فالزمن هو الحياة بالنسبة لكلينا , هل بدأت تفهم الآن ؟
- نعم , نفس المصير
- أها , الآن أخبرني , ماهو أكثر شيء تريده أن يحدث قبل أن تتوقف عقارب الساعة ؟
- سأخبرك , أنت بالتأكيد تعلم أنني لا أنام أبدا , أليس كذلك ؟
- بلى , بالطبع , ولكن هذا لا يضر فكثير من العباقرة كانوا يعانون من مثل هذه الأشياء
( دوستوفيسكي ) قضى عليه الصرع
و ( جون ناش ) كان يعاني من مرض ( التوحد وانفصام الشخصية )
كما أن أديبك العربيّ المفضل أصابه الصمم وهو في مثل سنِك
فقد تكون الحالة التي أنت عليها تدخل في جملة العلامات والرسائل
ولكن ما علاقة ذلك بعقارب الساعة ؟
- أنا على يقين بأن عقارب الساعة ستتوقف وأنا أنظر إليها بعينيّ هاتين , وأرجو من الله أن يبعث ملاكي الحصري في الوقت المناسب حتى يغمض لي عينىي , هذا كل ما أريده
ثم بدأت دمعتان في الهطول من عينيه دون أن يتحرك جفناه , ثم تحركتا برفق على وجنتيه حتى لامستا شعر لحيته ثم سقطتا على الأرض
يا له من مسكين , يمكث بالساعات وحيدًا ينظر إلى عقارب الساعة , حتى تحجرت عيناه تماما
لدرجة أنه لم يعد يستطيع أن ينظر في اتجاه معين إلا أن يلتفت برأسه , شيء مزعج
- الآن يا ( بروف ) , أخبرني عن الزمن , وعن المصير الواحد
- سأخبرك سريعًا لأن الوقت قد اقترب على الإنتهاء , انظر إلي الصورة التي ستظهر لك , أريدك أن تفهم المعنى الصحيح لمفهوم الزمن , فهذه مشكلتك الحقيقية
حاول أن تجمع أكبر قدر من المعلومات , وقت العمل سيبدأ قريبا
وفاجأة انطفأ الضوء المنبعث من ( الكاميرا )
- ولكن أين الصورة ؟! ( كذلك تساءل علي بينه وبين نفسه )
ثم سرعان ما وصله الرد , لقد وجد صورة لـ ( أينشتاين ) وقد طبعت على الحائط حيثما كانت تدور الأحداث السابقة
ووجد هذه العبارة مكتوبة على الصورة ( الوقت هو الحياة )
ثم نظر مرة آخرى وبطريقة لا إرادية إلى الجهاز حيث توجد نافذة ( اليوتيوب )
وكالعادة ظهرَت هذه العبارة
To be continued
السبت، 2 يوليو 2011
علي و Einy واللقاء الأخير
الحلقة الثانية
- آلو , السلام عليكم , أيوة يا ( يحي ) أنا تحت البيت
- ماشي يا مولانا , اطلع
- تعالى ادخل , إيه مالك ؟ صوتك ماعجبنيش إمبارح في التليفون , وليه ملهوف على النت كدة ؟ إنت مش عندك نت في البيت ؟
- أيوة عندي , بس بالله عليك خليني أدخل النت من على جهازك وبعد كدة هاحكي لك
- إيه ده وإيه لازمة الفلاشة دي ؟ مش إنت هاتدخل على النت بس
- يا عم الشيخ , ماتستعجلش , هاقولك بس هات الجهاز بتاعك
- أوك , ثواني
أدخل علي ( الفلاش ) في الجهاز , ومن ثم قام بنسخ الرابط الذي سبق ووجده في أحد المجلدات التي كانت في جهازه , ثم وضع الرابط في شريط العنوان الخاص بالمتصفح .
وعندها لاحظ شيئا اندهش له , فإن الملف لم يتم تحميله , وظهرت علامة خطأ في الصفحة الخاصة بالمتصفح مما أصاب ( علي ) بالصدمة
- علي !! مالك يا عم الشيخ ؟! في إيه ؟ يا بني احكي لي
- هاقولك , بس إنت عندك على الجهاز براوزر تاني ؟
- أه , طبعا عندي أكتر من تلاتة
قام علي بنفس الخطوات مستخدما أكثر من متصفح , إلا أن النتيجة واحدة
بعدها أرجع ( علي ) ظهره إلى الخلف وأسنده إلى الكرسي وأخرج زفرة طويلة
( أوووووووووووووووف )
وأطرق قليلا بعدما شبك بين أصابع يديه وأسندهما إلى رأسه من الخلف
- يابني في إيه ؟ مالك ؟!
- بص يا ( يحي ) , هاحكي لك بس ده سر بيني وبينك ,أوك ؟
- أوك , قول
- خلاصة الحكاية إني كنت قاعد مع نفسي كالعادة في الأوضة بتاعتي , افتكرت بعض المواقف اللي حصلت لي قبل كدة ومنها حكاياتي مع ( شرف ) وكلامه على النسبية وعشقه ل ( أينشتاين )
- ( شرف ) ده كان معاك في الكلية ؟ صح ؟
- أيوة , متهيألي كان بيحب ( أينشتاين ) أكتر من أبوه , المهم بعدها فتحت ( اللاب ) بتاعي وفضلت أفتح فولدرات كدة لحد مالاقيت الملف اللي أخدته كوبي على (الفلاش) ده
- ها وبعدين ؟
- أبدا , الملف كان واضح إنه مقطع على ( اليوتيوب ) , فتحته
لاقيته وثائقي اسمه ( سيمفونية أينشتاين الناقصة ) عارفه ؟
- أه ده مشهور , اللي عملته ال ( بي بي سي ) تقريبا , صح ؟
- أيوة المهم اتفرجت عليه عادي بس الملف مانتهاش مع نهاية الشريط لاقيت حاجة غريبة , لاقيت الكاميرا بتصور حاجة من الواقع مش تمثيل , وناس غريبة دخلت تقريبا قوات خاصة , وحقنوا ( أينشتاين ) بحقنة , فاق وبص لي وضحك
- هههههههههههههه, طيب , وبعدين صحيت إنت كمان وفوقت من النوم ؟
- ياعم بطل تريقة , المشهد اللي شوفته معناه إن ( أينشتاين ) مامتش , الملف كان مكتوب عليه ( توب سيكريت ) يا ( يحي ) , وعليه علامة ( ناسا إكس فايلز ) المشكلة دلوقتي إن أنا حبيت أرجع الشريط واتفرج على المشهد الأخير مش عارف
_ ليه ؟
- ماهو هو ده اللي هايجنني , لما برجع الملف بيخلص عند المشهد الأخير اللي في الفيلم الأصلي عادي يعني , والمشكلة إن الملف نفسه ماشتغلش عندك
بص يا ( يحي ) هو ممكن ملف معين مايشتغلش غير على جهاز واحد؟
- ماظنش اخترعه طريقة بالخبث ده لسة
- طيب مش ممكن ملف معين مايشتغلش غير على ( أي بي واحد ) ؟
- طيب مش انت معاك ( اللاب توب ) بتاعك ؟
- أيوة
- طيب خلاص ادخل بيه على ( النت ) هنا وجرب
قام ( علي ) بما اقترحه عليه صديقه , ولكن نفس النتيجة , الملف لم يعمل
- ( يحي ) , أنا عايز أروح ضروري , نزلني , السلام عليكم
انطلق ( علي ) مسرعا , متوجها إلى غرفته , وما فتح باب غرفته , توجه إلى ( كابل )
( الإنترنت ) وأخرج ( حاسبه الشخصي ) من الحقيبة وأدخل (الكابل) في مكانه
فتح ( متصفح الإنترنت ) واختار مسار الملف السابق من قائمة ( المفضلات )
الآن , الملف يعمل , قام علي بتقديم الشريط حتى اقترب المشهد الأخير للوثائقي
ثم ترقب ماذا سيحدث هذه المرة
نفس المقدمة , ونفس العبارات التي ظهرت المرة السابقة :
Please pay attention the Following Information are classified as top secret
NASA X Files
ثم ظهر ( أينشتاين ) مبتسما نفس الإبتسامة التي كانت في نهاية المرة السابقة متوجها ببصره إلى ( علي ) المسكين الذي بدأ الخوف يعتريه بعض الشيء
- كيف حالك يا ( علي ) , أليس هذا اسمك ؟ ( علي ) ؟
- إيه ده ؟ ده باصص لي وبيكلمني !! لا حول ولا قوة إلا بالله , هو أنا بحلم ولا إيه ؟
- لم أفهم ماذا قلت يا ( علي ) أنا أعلم أنك عربي فلماذا تتحدث بغير لغة العرب ؟
حاول ( علي ) جاهدا أن يستجمع قواه و يببدأ في الحديث معه ولكنه لم يستطع إلا أن ينطق بعض الكلمات
- نعم , ولكن العرب للأسف لا يتحدثون غالبا إلا باللهجة العامية الشائعة في بلدانهم
- أخيرا نطقت ؟! ههههههه
- أخبرني من أنت ؟ وكيف تتحدث لي من خلال ( اليوتيوب ) , أنا أريد أن أعرف ماذا يحدث لي ؟
- ألا تعرفني ؟ أنا ( أينشتاين ) , تستطيع أن تناديني ( آيني ) على الرغم من أحدا لم يخاطبني بهذا الإسم أبدا , ولكن هذه أول هدية أهديها لك يا ( علي )
- بالطبع أنا أعرفك , ولكني أعرف كذلك أنك توفيت عام ( 1955 )
في مستشفى ( برينستون )
وأنا الآن أريد أن أعرف ماذا يحدث ؟ ولماذا يحدث لي أنا بالخصوص ؟ ولماذا لم يعمل هذا الملف إلا على الجهاز الخاص بي وعلى الوصلة الخاصة بي , أظنني أحلم
- لا لا , ليس حلما , أنت الآن تشاهد الواقع ولكن بطريقة ( حصرية ) , لك أنت وحدك , وعلى هذا الجهاز ( حصريا ) أيضا , و في هذه الحجرة فقط
أظنك تدرك عبارة ( حصريا ) فهي عبارة متكررة بشكل ممل هذه الأيام في وسائل الإعلام العالمية
وبالنسبة لوفاتي , فأظنك تعلم تماما أن الأمور ليست دائما كما تبدو عليه في الظاهر ألا تعرف ( صن تزو ) ؟!
- بلى , ولكن لماذا كل هذه الحصرية ؟ ولماذا لم أستطع أن أعيد مشاهدة الملف مرة أخرى على نفس الطريقة الحصرية ؟
- ( علي ) , انتبه إلى كلماتي جيدا , ولكن أخبرني أولا , ألم تكن تملك شركة كبيرة متخصصة في تجارة الحاسبات الآلية وجميع ما يتعلق بها
- بلى
- حسنا , تذكر يا ( علي ) أننا لن نستطيع أبدا أن ننسلخ من ماضينا أو أن نمحوه هكذا بسهولة لابد أن يصيبنا شيئ من خيره أو من شره , وفي حالتك أظنك أصابك الكثير من شره , ولعل ما يحدث لك الآن هو نصيبك من ذلك الخير
- ولماذا أنا على وجه الخصوص وعلى هذا الوجه من الحصرية ؟
- عندما تأتيك هدية من الماضي , لا تنشغل كثيرا بمحاولة الفهم , فليست كل الأمور نستطيع أن نجد لها تفسيرا
والذي يتحتم عليك فعله هو استغلال تلك الهدية على الوجه الأكمل , لن أستطيع أن أفسر لك السبب على وجه الدقة الآن
ولكن من الممكن أن أخبرك أنني أرى المستقبل في عينيك
- وماذا عن هذه الغرفة ؟ ما علاقتها بالحصرية ؟
أخذ ( أيني ) يتجول بنظره في أنحاء الحجرة
- يا ( علي ) اعلم جيدا أن آخر الأشياء التي تملكها ستكون الطريقة الوحيدة لنجاتك , هذا إن أردت أن تنجو
وكما أن الحاجة أم الإختراع , فإن الوحدة أم الإبداع
- نعم , ولكنك لم تجبني على سؤالي : لماذا لا أستطيع أن أعيد مشاهدة ما يحدث في نهاية الملف مرة أخرى ؟
- الماضي.. الماضي ؟! تتحدث مرة أخرى عن الماضي , إذا استطعت أن تقهر ضوء هذا المصباح يا ( علي ) فإنك حتما تستطيع أن تستدرك ما دار في الماضي أو ما قمت به سابقا , هل تسطيع ؟
- اممممم , لا أظن ذلك
- إذن فإنك لن تستطيع أن تشاهد الملف مرة أخرى يا (علي) , اجتهد في أن تحفظ كل كلمة وإن استطعت أن تدون فافعل
ثم لوح ( أينشاتين ) بيده وكأنه يقول له ( مع السلامة )
ثم ظهرت صورة يبدو أنها ( لأيني ) وهو في طفولته
كتبت تحتها هذه العبارة
c u Aly , do not ever 4get ,The last thing u have is the only way to survive
وبعدها أخذ علي يقلب نظره في الحجرة التي يسكنها
نفس الأشياء
حاسبه الشخصي , فراش , قطته الصغيرة , رف عليه بعض الكتب بالإضافة إلى مصحفه الشخصي
وبعدها نظر مرة أخرى إلى شاشة حاسوبه الشخصي فوجد نفس العبارة التي اختتم بها الملف في المرة السابقة وهي :
To be continued
علي و Einy واللقاء الأخير
الحلقة الأولى
تنويه :
أحداث هذه الحلقات منها ماهو واقعي , ومنها ما دار في خيالي ونُـسِجَ فيه تحت تأثير ذلك الواقع
والمهمة التي قمت بها هي مجرد تصوير ما حدث في خيالي ونقله على الورق فاكتملت الصورة وها أنا الآن أضعها بين أيديكم
والله أسأل أن أكون قد أحسنت الرسم بالكلمات
وأن تخرج تلك الصورة على أجمل وأبهى الهيئات
وأن يغفر لي ولكم كل ما اقترفنا في الماضي وأن يقينا شر ما هو آت
*صحراء مصر الغربية عام ( 1989 )
كان الوقت قد اقترب من الخامسة , عندما كان الصبح قد تنفس أول أنفاسه في هذا اليوم الجديد
استيقظ الطفل الصغير قلقا بدون سبب , فنظر يمنة ويسرة فلم يجد قطته الصغيرة التي كان معتادا أن تنام في أحضانه كل ليلة
جال بنظره في أنحاء غرفته فلم يجدها , ذهب مسرعا إلى باب المنزل وهو يصيح بأعلى صوته مناديا قطته قائلا ( بسيس , بسيس )
هكذا كانوا ينادون القطط في هذا المكان
ومع أنه كان قاهريا نشأ في القاهرة إلا أنه في إجازته تلك عند شقيقته تعلم بعض المفردات الجديدة عليه
ما إن فتح الباب , حتى هبت عاصفة شديدة باردة كاد أن يسقط على إثر سرعتها
إلا أنه قام بلم أطراف ثيابه يجذبها إلى صدره ثم أكمل وهو مازال ينادي قطته
وفاجأة رآي منظرا أصابه بالصدمة , فتسارعت نبضات قلبه , وعلا صوت أنفاسه وسقط على الأرض وهو ينظر إلى ذلك المنظر
وبينما هو ساقط على الأرض , إذ بكف يربت على كتفه من الخلف
- بتعمل إيه يابني في البرد ده , مالك يا ( علي ) إنت خايف من القمراية ؟
- سمية , هو إنتي ؟ قمراية ؟! هو ده قمر ؟
- أيوة طبعا
- إزاي القمر ؟ , ده كبير جدا وخارج من الأرض مش نازل من السما
- يا سلام على الثقافة , يا ( علي ) بيه الكبير في الوقت ده من الشهر وفي الوقت ده من اليوم هاتشوف المنظر ده كتير
ثم أمسكته من يده وذهبت به إلى داخل البيت , وهو ينظر خلفه منبهرا بهذا المنظر
وفي طريقه إلى باب المنزل التفت بعيدا فإذا بقرص الشمس بدأ في الظهور
دخل المنزل وهو يقول في نفسه : هل يجتمعان ؟!
*القاهرة عام ( 2010 )
أفاق ( علي ) من رقاده , فتح عينيه بعدما مر على ذاكرته ذلك المشهد الذي لن ينساه أبدا
العجيب أنه استيقظ فبحث عن قطته الصغيرة فقد ظل يحب القطط منذ أن فقد قطته تلك وهو صغير
ولكن هذه المرة وجدها بجانبه تنظر إليه , نظر إليها مبتسما
وقال لها : أهلا إنتي اللي باقية لي
كان ( علي ) رجل أعمال , شابا طموحا , كون ثروة لا يستهان بها بالنسبة لأقرانه
كان له بيت هنيئ فيه زوجة يحبها وتحبه وولدان جميلان رائعان
والذي انتهى إليه الحال بهذا الشاب باختصار أنه قد خرج من أهله ومن ماله جميعا , والكارثة الكبيرة أنه فعل ذلك بإرادته وباختياره
فالتجارة للأسف علمته المخاطرة , حتى خاطر بكل شيء يملكه في هذا الدنيا
لم يبق له إلا حجرة صغيرة , حبس نفسه فيها , لا يتحدث إلى أحد لأيام بل شهور ,
وقطة صغيرة كان قد وجدها في الشارع وهي تحتضر , فأخذها معه لعله يجد معها تلك اللمسات التي افتقدها من ولديه
كان يقول في نفسه كثيرا : يبدو أنني قد فقدت حاسة اللمس
لم يعد يلمس أحدا , ولا حتى عن طريق المصافحة , وكان يتساءل هل يصل الحال بالإنسان إلى أن يفقد حاسة اللمس من فرط الوحدة ؟!
والشيئ الأخر الذي خرج به من دنيا الماضى هو جهاز الحاسب الخاص به ( لاب توب )
كانت الدنيا عند ( علي ) تتلخص في هذا الجهاز , حيث القراءة والإنترنت وكل شيء
هكذا أصبح عالم ( علي )
قطة ولاب توب وفراش متواضع , ورف صغير عليه بعض الكتب ومصحفه الشخصي الذي كان محتفظا به منذ صغره
في هذا اليوم , وبدون أي مقدمات , أخذت ذكريات الماضي تأتي مزدحمة في خيال علي
وعندما كانت تحدث له تلك الحالة , تعود أن يغمض عينيه ويستسلم للإبحار في الماضي , ليعيش كل لحظة من لحظاته
تذكر أيام الجامعة , والأصدقاء , ومن بينهم كثيرا ما كان يأتي على ذاكرته زميله الغريب الأطوار( شرف )
- تعرف يا ( ابو الأشراف ) إنت بتفكرني بمين ؟
بتفكرني براسل كرو في فيلم ( A Beautiful Mind )
كان البطل تقريبا اسمه ( جون ناش - John Nash) , الفيلم ده كنت بحب أتفرج عليه جدا قبل الإلتزام
- إيه ده كان مجنون الراجل ده ولا إيه ؟ على فكرة ( جون ناش ) ده عالم كبير صاحب نظرية الألعاب ( Game Theory )
هو كان مطلعينه مجنون في الفيلم ؟ أصل انا ماتفرجتش عليه !!
- ههههههه , لا لا , بص هو بصراحة كان مجنون , بس عبقري , كان عنده توحد وكان بيعمل حركات زي اللي بتعملها بالظبط
يارب مايتفرج على الفيلم علشان ماكنش دليته على الشر ... ( علي ) بصوت خافت
( شرف ) هذا عندما تنظر إليه تكتشف فورا أنه مضطرب
ملامح وجهه غير مستقرة , حاجباه يهتزان دائما
عيناه لا تنظران في اتجاه واحد لفترة طويلة
عندما تنظر إليه لأول مرة من المؤكد أنك ستقول أنه غريب الأطوار
وأنه حتما هارب من ( العباسية )
:)
- كل الناس فاكراني مجنون , علشان بقولهم على طول إن إحنا في كلية الهندسة بندرس حاجات حمضانة
والله حاجات قديمة جدا يا جدعان , تخيل واحد درس في كلية الهندسة في قسم خطير زي القسم بتاعنا ومايعرفش حاجة عن ( النسبية )
دي كارثة
- هو إنت لسة بتقرأ في ( النسبية ) , أنا خايف عليك يابني والله أنا أسمع إن مافيش حد فاهمها أساسا
حتى ( أينشتاين ) نفسه , ماكانش فاهم حاجة
:)
- بص يا ( علي ) , النسبية دي نقطة فارقة في تاريخ البشرية , و ( أينشتاين ) ده إنسان مش عادي , مع إنه كان يهودي وانا عارفك إنت والزغاليل بتكرهوهم موت , وعلى فكرة أنا كمان بكرهم بس ده مالوش علاقة بالعلم
وبدأ ( شرف ) يقص على ( علي ) قصص الغرام التي جمعته مع ( النسبية )
وصاحبها ( أينشتاين ) , و ( علي ) ينظر إليه ولكن لا يسمعه
كان ينظر إليه مبتسما , عابثا بلحيته
قائلا في نفسه : ياعيني عليك يا شرف , شفاك الله وعافاك
:)
- ماشي يا ( أبو الأشراف ) أنا هاروح المسجد علشان أرفع الأذان
الضهر قرب , وانا مش عايز الراجل بتاع الأمن يأذن علشان صوته وحش جدا
أساسا هو من أمن الدولة ومعينينه في المسجد بالعند في ( الزغاليل )
- أه الله يخرب بيته , صوته بيفكرني ( بعبد المطلب )
كانوا بيسموه زمان ( حمار الإذاعة ) هههههههه
- ياعم ( عبد المطلب ) مات , خليه في حاله , ربنا يرحمه
- إنت عجيب أوي يا علي , إنت الوحيد اللي من الزغاليل بتسمعني , إنت فاهم حاجة من اللي انا بقوله ؟
- لا
- طيب , وكمان انت الوحيد اللي بتقف معايا كتير أساسا مع إن باقي الزغاليل بيزعلوا مني علشان بقف مع بنات وكدة
وانت الوحيد لما حد بيجيب سيرة حد مات حتى لو ماكنتش بتحبه بتقول عليه رحمه الله , زي ( عبد المطلب ) كدة وزي ( الست ) وو....
- بص يا ( شرف ) , فاهم حاجة من اللي إنت بتقوله, لا طبعا زي ماقولت لك , هو احنا بنفهم حاجة أساسا من اللي بندرسه ؟
إحنا بننجح بالذكر ياعم الحاج ههههههه , بس أنا بحب أسمعك علشان مافيش حد بيسمعك
وحكاية ( ربنا يرحمه ) دي فأي مسلم مات على التوحيد إحنا لازم ندعو الله له بالرحمة وإن ربنا يغفرله
وبالنسبة للبنات بقى , ربنا يهديك أقولك إيه يعني ؟!
ثم ابتسم له ( علي ) وربت على ذراعه بلطف ثم انصرف إلى المسجد
بعد هذا الفاصل مع الماضي , فتح علي عينيه مرة أخرى وأخذ يفتش في جهازه الشخصي
دائما كانت يده تتجه تلقائيا إلى مجلد باسم ( فلسفة وأدب )
ولكن هذه المرة لفت نظره لأول مرة مجلد باسم ( عباقرة العلوم ) فتحه فوجد مجلدا آخر باسم ( أينشتاين ) ففتحه
وجد كتبا كثيرة , وكان وقتها غير مهيأ للقراءة ففتح مجلدا آخر باسم ( فيديو )
اختار عشوائيا مجلدا باسم ( Einstein Unfinished Symphony )
أو ( سيمفونية أينشتاين الناقصة )
فتحه فلم يجد فيه شيئا
وجده فارغا إلا من ملف نصي " Text File " له نفس اسم المجلد " سيمفونية أينشتاين الناقصة "
فتحه فوجد هذا الرابط
http://www.youtube.com/user/nasachannel/x-files
لاحظ أنه رابط لملف مرأي على الموقع الشهير " يوتيوب "
فقام بنسخه ليشاهدة على اليوتيوب
كان " سيمفونية أينشتاين الناقصة " وثائقي من انتاج ال " BBC "
مما جذب انتباه ( علي ) لثقته في حرفية ال ( بي بي سي ) فقرر مواصلة المشاهدة إلى النهاية
كان يحكي قصة حياة " أينشتاين "
في بداية المشاهدة اخذ علي في الضحك بصوت عال قائلا لنفسه :
فينك يا ( شرف ) تضحك على صاحبك , أديني بتفرج على فيلم عن ( أينشتاين )
لو كنت معايا دلوقتي أكيد كنت هاتبقى سعيد جدا
كان علي يشاهد الوثائقي واضعا قدما على أخرى , وماسكا بكوب من ( النيسكافيه البلاك ) الذي كان يدمنه
أعجب كثيرا بهمة هذا العالم
حتى أنه في آخر أيامه كان يكتب ما يفكر فيه من نظريات ومعضلات على غطاءه الذي كان يغطيه على سريره في مستشفي ( برينستون ) والتي يبدو أنه مات فيها
اقترب الوثائقي من النهاية حين قالت الممرضة
- بروفيسور , هلا استرحت قليلا
- مازال علي أن أكمل مهمتي , فقد اقتربت من نهاية صياغة نظريتي الأخيرة " نظرية كل شيء "
- يمكنك أن تكملها غدا إذا أردت
- نعم , على الأرجح غدا , أعتقد أنني قد انتهيت من العمل اليوم , يكفي هذا ... وترك القلم
للأسف لم يأت عليه الغد
بل انتقلت الصورة إلى المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه خبر موته
- السيدات والسادة , من واجبي أن أعلن لكم ببالغ الحزن والأسى وفاة البروفيسور ( ألبرت أينشتاين )
وكان شريط المقطع في اليوتيوب وصل إلى النهاية فقام علي حتى يغلق الصفحة ويرقد قليلا قبل صلاة الفجر
وعندما هم بذلك وقبيل أن يضغط على الفأرة ليغلق ( اليوتيوب ) لاحظ شيئا غريبا
على الرغم من أن شريط الفيديو ( progress bar) قد وصل للنهاية بعد عرض أسماء فريق العمل المشترك في الوثائقي كما يحدث دائما في كل المواد الفلمية
إلا أن المقطع لم يتوقف بل ظهرت علامة تنبيه باللون الأحمر تقول
Please pay attention the Following Information are classified as top secret
أي : المعلومات التالية مصنفة في أعلى درجات السرية
وبعد هذا التنويه مباشرة ظهرت تلك العبارة
NASA X Files
ظهرت بعد ذلك صور لمؤتمر صحفي آخر ولكن يبدو أنه المؤتمر الصحفي الحقيقي الذي أذيع فيه خير وفاة ( أينشتاين )
وفي الخلفية لاحظ شيئا يحدث عندما حاول أن يركز أكثر في الخلفية قامت الكاميرا بعمل ( زووم ) للجانب الذي تدور فيه الأحداث في الخلفية
شاهد شيئا غريبا
رجال يرتدون ثيابا عسكرية خاصة لا يظهر منهم شيئا ألبتة
يرتدون أقنعة غريبة ومدججين بأسلحة متقدمة جدا وعلى ظهورهم تظهر تلك الكلمة
NASA SF
التفوا جميعا حول السرير الذي رقد فيه جسد ( أينشتاين )
وفي سرعة كبيرة قال قائدهم
all clear go ahead now
أو :( حسنا الوضع مستتب , تفضل الآن )
فأخرج أحدهم شيئا من حقيبة يحملها وقام بحقن ( البروفيسور )
وبعد لحظات
فتح ( أينشتاين ) عينيه وركزت الكاميرا على وجهه الشاحب
أصبح وحده في الصورة
ثم نظر إلى الشاشة ووجه نظره إلى المكان الذي كان يجلس فيه ( علي ) في الغرفة وكأنه يقصده بنظرته
ثم ابتسم قليلا وتوقف المقطع على هذه النظرة
كل هذا وعلي ينظر إلى المشهد كالمصدوم فاتحا عيناه بكامل اتساعهما , وفاغرا فاه كالمجنون
ثم ظهرت كلمة
To be continued
كان الوقت قد اقترب من الخامسة , عندما كان الصبح قد تنفس أول أنفاسه في هذا اليوم الجديد
استيقظ الطفل الصغير قلقا بدون سبب , فنظر يمنة ويسرة فلم يجد قطته الصغيرة التي كان معتادا أن تنام في أحضانه كل ليلة
جال بنظره في أنحاء غرفته فلم يجدها , ذهب مسرعا إلى باب المنزل وهو يصيح بأعلى صوته مناديا قطته قائلا ( بسيس , بسيس )
هكذا كانوا ينادون القطط في هذا المكان
ومع أنه كان قاهريا نشأ في القاهرة إلا أنه في إجازته تلك عند شقيقته تعلم بعض المفردات الجديدة عليه
ما إن فتح الباب , حتى هبت عاصفة شديدة باردة كاد أن يسقط على إثر سرعتها
إلا أنه قام بلم أطراف ثيابه يجذبها إلى صدره ثم أكمل وهو مازال ينادي قطته
وفاجأة رآي منظرا أصابه بالصدمة , فتسارعت نبضات قلبه , وعلا صوت أنفاسه وسقط على الأرض وهو ينظر إلى ذلك المنظر
وبينما هو ساقط على الأرض , إذ بكف يربت على كتفه من الخلف
- بتعمل إيه يابني في البرد ده , مالك يا ( علي ) إنت خايف من القمراية ؟
- سمية , هو إنتي ؟ قمراية ؟! هو ده قمر ؟
- أيوة طبعا
- إزاي القمر ؟ , ده كبير جدا وخارج من الأرض مش نازل من السما
- يا سلام على الثقافة , يا ( علي ) بيه الكبير في الوقت ده من الشهر وفي الوقت ده من اليوم هاتشوف المنظر ده كتير
ثم أمسكته من يده وذهبت به إلى داخل البيت , وهو ينظر خلفه منبهرا بهذا المنظر
وفي طريقه إلى باب المنزل التفت بعيدا فإذا بقرص الشمس بدأ في الظهور
دخل المنزل وهو يقول في نفسه : هل يجتمعان ؟!
*القاهرة عام ( 2010 )
أفاق ( علي ) من رقاده , فتح عينيه بعدما مر على ذاكرته ذلك المشهد الذي لن ينساه أبدا
العجيب أنه استيقظ فبحث عن قطته الصغيرة فقد ظل يحب القطط منذ أن فقد قطته تلك وهو صغير
ولكن هذه المرة وجدها بجانبه تنظر إليه , نظر إليها مبتسما
وقال لها : أهلا إنتي اللي باقية لي
كان ( علي ) رجل أعمال , شابا طموحا , كون ثروة لا يستهان بها بالنسبة لأقرانه
كان له بيت هنيئ فيه زوجة يحبها وتحبه وولدان جميلان رائعان
والذي انتهى إليه الحال بهذا الشاب باختصار أنه قد خرج من أهله ومن ماله جميعا , والكارثة الكبيرة أنه فعل ذلك بإرادته وباختياره
فالتجارة للأسف علمته المخاطرة , حتى خاطر بكل شيء يملكه في هذا الدنيا
لم يبق له إلا حجرة صغيرة , حبس نفسه فيها , لا يتحدث إلى أحد لأيام بل شهور ,
وقطة صغيرة كان قد وجدها في الشارع وهي تحتضر , فأخذها معه لعله يجد معها تلك اللمسات التي افتقدها من ولديه
كان يقول في نفسه كثيرا : يبدو أنني قد فقدت حاسة اللمس
لم يعد يلمس أحدا , ولا حتى عن طريق المصافحة , وكان يتساءل هل يصل الحال بالإنسان إلى أن يفقد حاسة اللمس من فرط الوحدة ؟!
والشيئ الأخر الذي خرج به من دنيا الماضى هو جهاز الحاسب الخاص به ( لاب توب )
كانت الدنيا عند ( علي ) تتلخص في هذا الجهاز , حيث القراءة والإنترنت وكل شيء
هكذا أصبح عالم ( علي )
قطة ولاب توب وفراش متواضع , ورف صغير عليه بعض الكتب ومصحفه الشخصي الذي كان محتفظا به منذ صغره
في هذا اليوم , وبدون أي مقدمات , أخذت ذكريات الماضي تأتي مزدحمة في خيال علي
وعندما كانت تحدث له تلك الحالة , تعود أن يغمض عينيه ويستسلم للإبحار في الماضي , ليعيش كل لحظة من لحظاته
تذكر أيام الجامعة , والأصدقاء , ومن بينهم كثيرا ما كان يأتي على ذاكرته زميله الغريب الأطوار( شرف )
- تعرف يا ( ابو الأشراف ) إنت بتفكرني بمين ؟
بتفكرني براسل كرو في فيلم ( A Beautiful Mind )
كان البطل تقريبا اسمه ( جون ناش - John Nash) , الفيلم ده كنت بحب أتفرج عليه جدا قبل الإلتزام
- إيه ده كان مجنون الراجل ده ولا إيه ؟ على فكرة ( جون ناش ) ده عالم كبير صاحب نظرية الألعاب ( Game Theory )
هو كان مطلعينه مجنون في الفيلم ؟ أصل انا ماتفرجتش عليه !!
- ههههههه , لا لا , بص هو بصراحة كان مجنون , بس عبقري , كان عنده توحد وكان بيعمل حركات زي اللي بتعملها بالظبط
يارب مايتفرج على الفيلم علشان ماكنش دليته على الشر ... ( علي ) بصوت خافت
( شرف ) هذا عندما تنظر إليه تكتشف فورا أنه مضطرب
ملامح وجهه غير مستقرة , حاجباه يهتزان دائما
عيناه لا تنظران في اتجاه واحد لفترة طويلة
عندما تنظر إليه لأول مرة من المؤكد أنك ستقول أنه غريب الأطوار
وأنه حتما هارب من ( العباسية )
:)
- كل الناس فاكراني مجنون , علشان بقولهم على طول إن إحنا في كلية الهندسة بندرس حاجات حمضانة
والله حاجات قديمة جدا يا جدعان , تخيل واحد درس في كلية الهندسة في قسم خطير زي القسم بتاعنا ومايعرفش حاجة عن ( النسبية )
دي كارثة
- هو إنت لسة بتقرأ في ( النسبية ) , أنا خايف عليك يابني والله أنا أسمع إن مافيش حد فاهمها أساسا
حتى ( أينشتاين ) نفسه , ماكانش فاهم حاجة
:)
- بص يا ( علي ) , النسبية دي نقطة فارقة في تاريخ البشرية , و ( أينشتاين ) ده إنسان مش عادي , مع إنه كان يهودي وانا عارفك إنت والزغاليل بتكرهوهم موت , وعلى فكرة أنا كمان بكرهم بس ده مالوش علاقة بالعلم
وبدأ ( شرف ) يقص على ( علي ) قصص الغرام التي جمعته مع ( النسبية )
وصاحبها ( أينشتاين ) , و ( علي ) ينظر إليه ولكن لا يسمعه
كان ينظر إليه مبتسما , عابثا بلحيته
قائلا في نفسه : ياعيني عليك يا شرف , شفاك الله وعافاك
:)
- ماشي يا ( أبو الأشراف ) أنا هاروح المسجد علشان أرفع الأذان
الضهر قرب , وانا مش عايز الراجل بتاع الأمن يأذن علشان صوته وحش جدا
أساسا هو من أمن الدولة ومعينينه في المسجد بالعند في ( الزغاليل )
- أه الله يخرب بيته , صوته بيفكرني ( بعبد المطلب )
كانوا بيسموه زمان ( حمار الإذاعة ) هههههههه
- ياعم ( عبد المطلب ) مات , خليه في حاله , ربنا يرحمه
- إنت عجيب أوي يا علي , إنت الوحيد اللي من الزغاليل بتسمعني , إنت فاهم حاجة من اللي انا بقوله ؟
- لا
- طيب , وكمان انت الوحيد اللي بتقف معايا كتير أساسا مع إن باقي الزغاليل بيزعلوا مني علشان بقف مع بنات وكدة
وانت الوحيد لما حد بيجيب سيرة حد مات حتى لو ماكنتش بتحبه بتقول عليه رحمه الله , زي ( عبد المطلب ) كدة وزي ( الست ) وو....
- بص يا ( شرف ) , فاهم حاجة من اللي إنت بتقوله, لا طبعا زي ماقولت لك , هو احنا بنفهم حاجة أساسا من اللي بندرسه ؟
إحنا بننجح بالذكر ياعم الحاج ههههههه , بس أنا بحب أسمعك علشان مافيش حد بيسمعك
وحكاية ( ربنا يرحمه ) دي فأي مسلم مات على التوحيد إحنا لازم ندعو الله له بالرحمة وإن ربنا يغفرله
وبالنسبة للبنات بقى , ربنا يهديك أقولك إيه يعني ؟!
ثم ابتسم له ( علي ) وربت على ذراعه بلطف ثم انصرف إلى المسجد
بعد هذا الفاصل مع الماضي , فتح علي عينيه مرة أخرى وأخذ يفتش في جهازه الشخصي
دائما كانت يده تتجه تلقائيا إلى مجلد باسم ( فلسفة وأدب )
ولكن هذه المرة لفت نظره لأول مرة مجلد باسم ( عباقرة العلوم ) فتحه فوجد مجلدا آخر باسم ( أينشتاين ) ففتحه
وجد كتبا كثيرة , وكان وقتها غير مهيأ للقراءة ففتح مجلدا آخر باسم ( فيديو )
اختار عشوائيا مجلدا باسم ( Einstein Unfinished Symphony )
أو ( سيمفونية أينشتاين الناقصة )
فتحه فلم يجد فيه شيئا
وجده فارغا إلا من ملف نصي " Text File " له نفس اسم المجلد " سيمفونية أينشتاين الناقصة "
فتحه فوجد هذا الرابط
http://www.youtube.com/user/nasachannel/x-files
لاحظ أنه رابط لملف مرأي على الموقع الشهير " يوتيوب "
فقام بنسخه ليشاهدة على اليوتيوب
كان " سيمفونية أينشتاين الناقصة " وثائقي من انتاج ال " BBC "
مما جذب انتباه ( علي ) لثقته في حرفية ال ( بي بي سي ) فقرر مواصلة المشاهدة إلى النهاية
كان يحكي قصة حياة " أينشتاين "
في بداية المشاهدة اخذ علي في الضحك بصوت عال قائلا لنفسه :
فينك يا ( شرف ) تضحك على صاحبك , أديني بتفرج على فيلم عن ( أينشتاين )
لو كنت معايا دلوقتي أكيد كنت هاتبقى سعيد جدا
كان علي يشاهد الوثائقي واضعا قدما على أخرى , وماسكا بكوب من ( النيسكافيه البلاك ) الذي كان يدمنه
أعجب كثيرا بهمة هذا العالم
حتى أنه في آخر أيامه كان يكتب ما يفكر فيه من نظريات ومعضلات على غطاءه الذي كان يغطيه على سريره في مستشفي ( برينستون ) والتي يبدو أنه مات فيها
اقترب الوثائقي من النهاية حين قالت الممرضة
- بروفيسور , هلا استرحت قليلا
- مازال علي أن أكمل مهمتي , فقد اقتربت من نهاية صياغة نظريتي الأخيرة " نظرية كل شيء "
- يمكنك أن تكملها غدا إذا أردت
- نعم , على الأرجح غدا , أعتقد أنني قد انتهيت من العمل اليوم , يكفي هذا ... وترك القلم
للأسف لم يأت عليه الغد
بل انتقلت الصورة إلى المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه خبر موته
- السيدات والسادة , من واجبي أن أعلن لكم ببالغ الحزن والأسى وفاة البروفيسور ( ألبرت أينشتاين )
وكان شريط المقطع في اليوتيوب وصل إلى النهاية فقام علي حتى يغلق الصفحة ويرقد قليلا قبل صلاة الفجر
وعندما هم بذلك وقبيل أن يضغط على الفأرة ليغلق ( اليوتيوب ) لاحظ شيئا غريبا
على الرغم من أن شريط الفيديو ( progress bar) قد وصل للنهاية بعد عرض أسماء فريق العمل المشترك في الوثائقي كما يحدث دائما في كل المواد الفلمية
إلا أن المقطع لم يتوقف بل ظهرت علامة تنبيه باللون الأحمر تقول
Please pay attention the Following Information are classified as top secret
أي : المعلومات التالية مصنفة في أعلى درجات السرية
وبعد هذا التنويه مباشرة ظهرت تلك العبارة
NASA X Files
ظهرت بعد ذلك صور لمؤتمر صحفي آخر ولكن يبدو أنه المؤتمر الصحفي الحقيقي الذي أذيع فيه خير وفاة ( أينشتاين )
وفي الخلفية لاحظ شيئا يحدث عندما حاول أن يركز أكثر في الخلفية قامت الكاميرا بعمل ( زووم ) للجانب الذي تدور فيه الأحداث في الخلفية
شاهد شيئا غريبا
رجال يرتدون ثيابا عسكرية خاصة لا يظهر منهم شيئا ألبتة
يرتدون أقنعة غريبة ومدججين بأسلحة متقدمة جدا وعلى ظهورهم تظهر تلك الكلمة
NASA SF
التفوا جميعا حول السرير الذي رقد فيه جسد ( أينشتاين )
وفي سرعة كبيرة قال قائدهم
all clear go ahead now
أو :( حسنا الوضع مستتب , تفضل الآن )
فأخرج أحدهم شيئا من حقيبة يحملها وقام بحقن ( البروفيسور )
وبعد لحظات
فتح ( أينشتاين ) عينيه وركزت الكاميرا على وجهه الشاحب
أصبح وحده في الصورة
ثم نظر إلى الشاشة ووجه نظره إلى المكان الذي كان يجلس فيه ( علي ) في الغرفة وكأنه يقصده بنظرته
ثم ابتسم قليلا وتوقف المقطع على هذه النظرة
كل هذا وعلي ينظر إلى المشهد كالمصدوم فاتحا عيناه بكامل اتساعهما , وفاغرا فاه كالمجنون
ثم ظهرت كلمة
To be continued
الأربعاء، 8 يونيو 2011
صراع الفضيلة والرذيلة .. والخيارات البديلة
استخدام القوة الناعمة في الصراع
كلما مرت الأيام , وتكشفت المواقف , تباينت الرؤية وأصبحت الصورة أشد وضوحا
هذا التباين هو لا شك من الخير الذي لابد أن يستغل فيعقبه مثله
فلقد أدى ذلك التباين إلى خلق حالة من الفرقان والتي يحلو للبعض أن يسميها
تمايزا في المواقف المختلفة للفرقاء اللاعبين في الحقل السياسي
انقسم اللاعبون إلى فريقين رئيسيين , حزب للفضيلة وآخر للرذيلة
وكان من أهم العوامل التي أدت إلى ظهور حزب الفضيلة هذا , وتوغله وشيوع صيته بين عموم الشعب المصري المسلم هو أنه حورب بأشد ما تكون وسائل الحرب
وأصحاب حزب الرذيلة وهم في خضم حربهم الشعواء لم ينتبهوا لتلك المسلمة التي تقول " أن الشيء إذا بالغت في مقاومته خلق له أتباع من حيث لا تدري "
فقدموا بذلك خدمة جليلة عظيمة لا يحبون هم أنفهسم أن يحمدوا عليها , ولكن الحمد لله رب العالمين
ظنوا بامتلاكهم أسلحة دمارهم الشامل والتي يتمثل أشدها فتكا في وسائل الإعلام أنهم سيمتلكون العمق كما ملكوا زورا السطح
فاستحواذهم على السطح يظهرهم ويبرزهم بطبيعة الحال ولأنه سطح لابد أن يظهر
أما العمق فالوصول إليه صعب من حيث هو في العمق , فانفصلوا من حيث لم ينتبهوا عن ذلك العمق , واغتروا بظهورهم الخادع على السطح ...
يا أيها الداعون إلى حزب الرذيلة , الفضيلة هي العمق ,هي الشارع , ألا تعقلون ؟!
لقد اضطررتم الشعب إلى أن ينظر إلى العمق , الشعب لم يعد غبيا يرضى بسطحكم ولا بسطحيتكم وكذبكم وزوركم من خلال إعلامكم البعيد كل البعد عن أقل قواعد الحيادية أو الحرفية والمصداقية
فيا ليته تحلى بالحرفية وهو يكذب , ولكن الحمد لله افتقر إلى الحرفية فأصبح كذبه ظاهرا واضحا جليا , ولاعزاء للحيادية والتي قبرت من زمن
تلك الحالة من التباين , ساعدت بقوة على الإلتفاف التلقائي حول الداعين إلى حزب الفضيلة , فهم ينادون بما يريده الشارع في العمق , فهذا الشارع مسلم ومتدين
حربهم على الفضيلة أدت إلى فضيحتهم من حيث لا يشعرون فأصبحوا قلة من حيث يحسبون أنهم امتلكوا وسائل الغلبة والإنتشار , وسكنوا إلى كونهم النخبة , وليست النخبة بالضرورة تكون نخبة جيدة من مجمل سيء , بل العكس هو الحاصل
والدور الآن يأتي إلى حزب الفضيلة , فرجال الفضيلة لابد أن يتعاملوا في تلك المرحلة الحاسمة بكل ذكاء وفطنة
فليس معنى إلتفاف الشارع حولهم الآن ان يكتفوا بذلك , لا , بل عليهم أن يبادروا بالهجوم بكل ضراوة , مستخدمين ما يسمى في السياسة بالقوة الناعمة .
لا ضير أن تستخدم وسائل الهجوم التي كان يحاول عدوك في أن يسعتملها ضدك , فتحاربه بسلاحه الذي حاربك هو به ابتداءا
بل تحاربه وهو ممسك بذلك السلاح , حتى يتبين له أن ذلك السلاح لم يعد أبدا ذا قيمة فيتخلى عنه ويزهد فيه
لابد لأصحاب الفضيلة أن يقوموا بغزوات أشبه بتلك الغزوات التي قاموا بها في غزوة الصناديق وغزوة الأنابيب وغزوة الخبز ومن قبل غزوة الطماطم
فلقد ملكوا العمق والحمد لله , ولن يستقيم حال هذا العمق ألا وهو الشارع إلا بقوة تدعم تواجدهم داخله
وهنا يأتي دور السلاح الذي أشرت إليه سابقا
وهو الإعلام
الوقت الآن مناسب تماما للقيام بغزوة الإعلام , ولا أقصد هنا الإعلام الديني من فضائيات إسلامية لا , بل أقصد كما اشرت سلاحهم هم , لابد لنا أن نغزوهم في عقر دارهم متسلحين بالقوة الناعمة
لابد أن نكون ما يعرف " باللوبي الإعلامي " أو " اللوبي الضاعط على إعلامهم " فأنا لا أقصد أن نحول إعلامنا نحن إلى لوبي فهذا محال لأنه إعلام موجه بطبيعة الحال ومصبوغ بصبغة معينة , و قد يأتي دوره ولكن ليس الآن
أقول أننا لابد لنا أن نكون قوة ضاغطة على إعلامهم هم , لابد ان نجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقوموا بأي هجمة من افتراء أو كذب أو تشويه
هذه القوة الناعمة تتمثل في التواجد شبه اليومي والضاغط بقوة على رؤوس القوم
لابد أن نعلمهم أن أصحاب الفضيلة من الكثرة ما يشعرهم بالقلق على جماهيريتهم بل تواجدهم
والطريقة الحكيمة في تلك الحرب هي أن نبدأ بالمدح والمساندة دون الذم والهجوم
لابد أن يختار أصحاب الفضيلة بعض الرموز والتي يظن فيها بعض الحيادية والإنصاف
حتى لو انتموا من بعيد إلى حزب أصحاب الرذيلة , فيساندونهم ويشعرونهم بأهمية تواجدهم وشعبيتهم
لابد لهم أن يتأكدوا أن من ضمن جمهورهم كم غفير من أصحاب الفضيلة
هذه الخطوة من أهم الخطوات التي يجب أن يتنبه إليها أصحاب الفضيلة في هذه المرحلة الحاسمة في الصراع
وهذا الموقف من المواقف التي تصلح أن تسمى " موقفا بديلا عن الحرب الخشنة " أو الدفاع المستميت فلقد مللنا المواقف الدفاعية ولقد جاء وقت الغزوات
وأسأل الله أن ينصر الحق وأهله وأصحاب الفضيلة ورجالها
وأن يفضح الباطل وأهله وأصحاب الرذيلة و ليس فيها رجال وأنى لها
وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين
محمود علي في 8 / 6 / 2011
الاثنين، 11 أبريل 2011
إني لأجدُ ريحَ المسجدِ الأقصى لولا أن تفندون
نســــــائم النصر تحل على أعتاب المسجد الأقصى الأسير
والله يا أخواني إني لأتنفس هواءا غريبا هذه الأيام ...
أشم نسائم الحرية ...
أشمها وقد أتت من ( تونس الخضراء )
ومرت ( بمصر الكنانة ) الحبيبة
ثم ( بيمن الإيمان والحكمة )
و ( بليبيا المكلومة )
و ( بسوريا السنية ) المحكومة بأشر الخلق
وسرعان ما سترتحل حتى تحل على أعتاب المسجد الأقصى وأكناف بيت المقدس
والله إني لأجد ريح المسجد الأقصى لولا أن تفندون ...
والله إن لأجد ريحه وإن قلتم " تالله إنك لفي ضلالك القديم " ...
فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ...
عسى الله أن يأتيني بالفرسان المجاهدين ...
عسى الله أن يأتينا جميعا بهم من كل جنبات الأرض
شباب يهرعون من كل البلاد الإسلامية الثائرة المحررة
ثاروا من أجل العدل والحرية في بلادهم ... فنظروا فإذ بالمسجد الأقصى حزين يبكي ...
فقالوا ...
قالوا قولة عظيمة جليلة ...
قالوا :
تبا لتلك الثورات إن لم يتحرر المسجد الأسير ...
تبا لتلك الثورات إن لم ينج الله المستضعفين من المسلمين على أيدينا ...
هلموا فإن نصر الله قريب ... والله إن نصر الله قريب ...
ورحمة الله قريب من المحسنين ...
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ...
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ...
محمود علي في 11/4/2011
الأربعاء، 6 أبريل 2011
الخميس، 17 مارس 2011
يا أيـُّــــهَا الجَــــــمَـل
يَا أيـُّـــــــــــــهَا الجَـــــــــــــــمَـلْ
أنَا سَلفِيٌ يا جَمَلْ .. هل تَعرفُنِي ؟ سأخـبِرُكَ بِلا تَــرَددٍ أو خَجَـل
راهِبٌ أنا بالليلِ لِربِّ السَمَا ... وفي المَيدانِ ثائرٌ ثابتٌ كالجَـبَل
في التَحرير كنتُ أهتفُ بِسُقُوطِ الظالمِ ... وَمَا غَفوتُ حتَّى رَحَل
ما زالَتْ دِمَاءُ إخوانِي تَقطرُ مِن لِحيتِي كالنيلِ وَعزيمَتِي كالحَديدِ وَلا أفَلّ
لا أخضَعُ للقَهرِ .. غَرِيبٌ .. قابِضٌ عَلى الجَمْرِ .. قويٌ ولَنْ أمَلّ
كِتابُ اللهِ فِي صَدري وَنِيرانُ لِسانِي تَشهدُ لي أنِّي مُناضِلٌ وَلمْ أزَل
سَلَفِيّةٌ عَقيدَتِي .. تبليغيةٌ هِمَّتي .. مُجَاهِدٌ بِالساحاتِ وإخوانيٌ إذا مَا المَكرُ حَلّ
عَربيةٌ وِجهَتِي .. مِصرِيةٌ لَهجَتِي ..غَيرُ محدودةٍ ثَقَافَتِي ..قَرَأتُ التراجِمَ والعِلَل
لِساني ينطقُ بلغَاتٍ كثيرةٍ .. وسأهجوكَ بِهَا جَميعاً .. وبالعامِّيةِ يا أصلَ الهبَل
هل تعرفُ الهِجَاءَ ؟ دَعْكَ مِن قَصَائِدِ شِعرِي فِي الرِّثاءِ وفِي الحَمَاسَةِ وفِي الغَزَل
سأنالُ مِنكَ كَمَا تَطاولتَ عَلى ربِّي ومولايَ ربِّ العِزِّةِ القاهِرِ الأجَلّ
مَالِــي أراكَ قَــد شَابَهْتَ الجُـعَل ؟!! هَلْ تَعرِفُ يا هَذا مَـا الجُـــعَل
فقيهٌ ؟ أم سَفيهٌ ؟ أم كريهٌ ؟ بِرَبِّ العَالمِينَ تَهزَئُ ؟ مَا هذا الخَطَل
أمريكيٌ ؟ فَرَنسيٌ ؟عِلمَانيٌ ؟ لادينيٌ ؟ اختَرْ لنفسِكَ سُوءَ البلادِ وشرَّ النِحَل
هل رأيتَ يَهودياً يُدنِّسُ هَيكلاً ؟ أم هَلْ رأيتَ مَجوسياً يُصلِي وَيخشَى البَلَل ؟
وَلَّيتَ وَجهَكَ شَطرَ " إيفل " ؟ أتَعتمِرُ القلنسوةَ ؟ أم يا تُرَى تتوضأ بالوَحَل ؟
أنا هتفتُ " ارحَلْ " وَقَد رَحَل .. وأرَاكَ تَهتِفُ يَا وَحيدَ قرنِكَ " يَحيَا الفَشَل "
سَأشوِيكَ عَلى سَفُّودِ لِسَانِي .. وأزيدُكَ هَطلاً عَلى هَطًل
ستأكلُ مِنْ خَشَاشِ الأرضِ وتنبُحُ قائِلا " أينَ السبيلُ وَمَا العَمَل ؟ "
هل تؤمِنُ بالواحِدِ الأحَدِ الذي انتقصتَ ؟ أم مازِلتَ مُسلِمَاً ؟ لا تَقُل
فَلتتبْ يا جَمَلُ إنْ شِئتَ ... وَلتَعتَذِر ... فإنْ أبَيتَ فلتُحَاكَمْ فَــوراً وَلتستَقِل
محمود علي في 17/3/2011
الأربعاء، 16 مارس 2011
رَســــــــــــَـــــــــــــائلُ أحزَانــــــــِـــــــــــــــــي 2
الحُـــــــــــــــــــــــــــــزنُ زادِي
ثُـرتُ .. وهَـتفتُ .. وتظاهرتُ مِن أجلِ العِشقِ كثيرًا ...
ولكـنَّ النّصرَ لم يُكتبْ فِي صَفَحَاتِ أمجَادي
نِمتُ عَلى أرصِفَةِ مَيادينِ الهَوى مِلئَ جُفُونِي ...
وَنَزَعتُ عَني لباسَ الخَوفِ وكظَمْتُ غَيظِي وأطفأتُ لهيبَ أحقادي
حارَبْتُ الخِـيانةَ والعِمَالةَ وطهَّرتُ مَا فِي قلبِ حَبيبتِي مِنَ الفَسادِ
فاوضتُ كثيرًا وصافَحْتُ كثيرًا وحفظتُ كلَّ مَواثيقِ السَّلام ...
والآن ... لم أعُدْ أفرِّقُ بينَ الهُدنَةِ والتولّي .. كيفَ أسَالِمُ .. كيفَ أُعَادي ؟
لمْ أكنْ أفهم لمَا هذا الغرور الذي كانَ يعتريكِ ...
ألِفَرطِ حُبِّي ؟ أم لِجُنونِي فِي العِشقِ ؟ أم عِنَادي ؟
كنتُ أروى لصَاحِبي عَنكِ .. كانَ سِرِّي .. لم أكنْ أغارُ عليكِ مِنه ...
حتَّى رأيتُ فِي عينيكِ صُورَتَه فانهزمتُ واستسلمَ لرياحِ الغَدرِ فُؤادي
ماذا أفعلُ ؟ كنَّا نُجَاهِدُ فيكِ سَوياً ... دَمُهُ فِيه مِن دَمِي ...
أنَا الذي عَلمْتُهُ العِشقَ ... ولِسَانُه ينطقُ بقصَائِدِ شِعْرِي وَجَمِيلِ إنشادي
كَيفَ سيجمعُنا القتالُ ثانيةً ؟ أخشَى أن أقتلَهُ بِسهمِ الهجاء ...
أخافُ عليهِ مِنِّي ... مِن قسوةِ حُبي لكِ ..
أنظرُ إليهِ مُمْسِكاً بسلاحِ شَوقِي وَسَبَّابَتِي عَلى الزِّنَادِ
حِينَ أنظرُ فِي عَينيهِ أرَاكِ ... لا لنْ أقتلَهُ ...
بل سأموتُ أنا ... أجَل سأموتُ وأُهديِهِ قَلبي وخِيرَةَ أجنَادي
أخبرْهَا أنِّي مِتُّ وأنا أنظرُ إليهَا فِي عَينيكَ صاحبِي ...
اروِ لهَا ماذا كنتُ أقولُ وانا أحتضِرُ ...
ولكنْ هذهِ المَرَّةُ عَلى لِسانِي أنا ..
أبلغْهَا أنِّي لمْ أخُنْ ولَمْ أغدِرْ ... قُل لَهَا أنِّي سَأظلُّ أُحِبُهَا ...
وَسَأفخَرُ بِهَا مَا لاحَ فِي الأُفْقِ بَدرٌ وفِي الصَحراءِ أنشدَ حَادي
أنَا الذي أحببتُكِ فِي حَربِي وفِي سِلمِي وفِي الجهادِ وفِي الرُقادِ
ذَكرتُكِ حُرَّاً مُقاتِلا أبياً وفِي ذُلِّ الأسرِ وفِي قَسوةِ الأصفَادِ
لم يغِبْ عَنِي الحَنينُ إليكِ يَوماً..
كنتِ مَعِي فِي مآتمِ حُزنِى و فِي نَسَمَاتِ أعيادي
كنتِ مَعِي فِي حِلي وفِي حَرَمِي ... فِي التمتُّعِ والإقرانِ وفِي الإفرادِ
كنتُ أُهْدي قَصَائِدَ الحُبِّ لجَميعِ المُحِبين ...
للنجُومِ كَي تُحبَّ السَمَاءَ وحَشائِشِ الأرضِ وللجَمَادِ
عَلَّمْتُ جَميعَ المخلوقاتِ مُفردَاتِ العِشقِ وَالهَوَى ...
فاضَ حُبِّي فِي أركانِ الكونِ ... فِي لهيبِ النيرانِ وفِي الرَّمَادِ
سأظلُّ وفياً لكِ ... فِي حِلي و فِي غُربَةِ وَطَنِي وَقسوَةِ البلادِ
مِن غَيرِ حُبَّكِ لمْ أعُد سُوَى روايةٍ مُمِّلةٍ ... وَبياضُ قلبِي تَوشَّحَ بالسَوادِ
بَعدَكِ ... صِرتُ حَديثـاً مُعضَلا ... مَتنٌ ضَعيفٌ بِلا وَصلٍ وَلا إسنَادِ
لَهيبُ قَلبِي شُعلتِي والدَّمْعُ قَلَمِي وَنَزيفُ الهَجرِمِدادي
ياصَاحِبِي ..
وَحِيدًا سأمُوتُ بِلا قلبٍ ....
فقلبِي بَين جَوانِحِكَ .. وَالأسَى مَتاعِي وَالحُزنُ آخِرُ قُوتِي وزادي
أبلغْهَا مِنِّي السَلامَ ... وَأوصِيكَ أنْ تُسكِنَهَا فِي أعمَاقِ قلبِكَ ...
حَتَّى أرقُـدَ مُنعَّمَاً... كمَا كنتُ فِي زمَان مِهَادي
محمود علي في 15/3/2011
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)