الحلقة الثالثة
ربي إني مسنيَ الشيطانُ بنُصبٍ وعذاب
اللهمَّ إني لا أعلم ما يحدث لي
هل أنا في عالم الواقع ؟!
هل أنا أحلم ؟!
هل .............
وقبل أن ينهي ( علي ) هذا التضرع بين يدي ربه , تجمدت الدماء في عروقه , لقد سمع صوتا مألوفا يبدو أنه يصدر من جهاز الحاسب الشخصي له
التفت سريعًا متوجهًا إلى مصدر الصوت فإذا ب ( آيني ) أمامه
لاحظ أن ضوءًا ما يخرج من الكاميرا الخاصة بالجهاز , ضوء يميل إلى اللون الأزرق يسقط آشعة ما على الحائط , عندما ترى المشهد تتذكر على الفور أجهزة (projectors) الضوئية
توجه إلى ( أينشتاين ) بالسؤال على الفور
- ما الذي يحدث , أخبرني هل أنت شيطان ؟! وما هذه الطريقة الجديدة ؟!
- شيطان ؟ أعوذ بالرب من الشيطان , و التجديد شيء جميل , كما أن التدرج شيء رائع , ومن يدري لعله يأتي اليوم الذي أصافحك فيه هههههههه
- رب ؟ أي ربٍ يا هذا ؟ هل تؤمن بالرب ؟
- مهلا يا ( علي ) وهل يستطيع المرء منا أن يعيش بدون الإيمان ؟
انظر إلي حالك , أنت فاقدٌ لجميع وسائل الحياة , أنت ميتٌ يا ( علي ) إلا أنه يسري في عروقك بعض الأشياء التي تبقيك حيًا
انظر حولك , قطة , وبعض الكتب ومن بينها كتابك المقدس , وجهازك الشخصي
أفِق يا ( علي )
- ماذا تقصد ؟! يبدو أنك شيطانٌ حقًا , ويبدو أنني أعاني من المس
- هههههههههههههههههه , يالك من أحمق !!
أخبرني , ماهي أول رواية قرأتَها في حياتك ؟
- وما علاقة ذلك بما كنا بصدده ؟ ليس هذا شأنك أساسًا
- أووووه , لقد أرهقتني يا ( علي ) , أنت تجادلني بأشد ما كان عليه الجدال بيني وبين
( نيلي )
- من نيلي هذا ؟
- ( نيلي ) , إنه عدوي اللدود , وصديقي الحميم ( نيلز بور - Niels Bohr )
المهم الآن , أخبرني , ما هي تلك الرواية ؟ ماذا كان اسمها ؟
- ولماذا لم تسألني عن آخر الروايات التي قرأتها , لماذا الأولى بالذات ؟
- لأن الأمر ببساطة يكمن غالبًا في البدايات , الآن أخبرني
- أظنها كانت ( الجبل الخامس )
- أها , ( باولو كويلو ) , ذلك القديس المؤمن , حسنًا إذن , ماذا قرأت في أول صفحة منها
- كان يتحدث عن روايته السابقة لهذه الرواية , ( الخيميائي - الكيميائي )
- أوك , الآن أنصحك أن تعيد قراءة هذه الصفحة مرة آخرى , حتما ستجد الرسالة التي كانت موجهة لك , تذكر دائما قيمة البدايات
ربما لا ينتبه الكثير منا إلى ذلك , لا بأس , فالرسائل لا تموت , وما عليك إلا أن تستعيد شريط الأحداث , الرسائل القديمة لا تموت أبدا يا ( علي )
سأعطيك مثالا للرسائل التي ساقها القدر إليَّ , ولكن أجبني أولاً على هذا السؤال
- تفضل , اسأل كما يحلو لك يا ( بروف )
- جميلة كلمة ( بروف ) , ولكن عاهدني أولا أنك لن تضحك , أنا لا أريدك أن تضحك اتفقنا ؟
- اتفقنا , هذا أمر يسير جدا على مثلي
- أخبرني متى كانت أول مرة تمس يدك امرأة ؟
أنا أعرف أنك متدين , وسلفي وربما ينعتك بعض الناس بالإرهابي ههههههههه
لذلك سأكرر عليك السؤال ولكن بطريقةٍ أخرى
ها , متى كانت أول مرة تمس يدك امرأة تحل لك ؟
- لا , لن أخبرك إلا بعد أن تروي عليَّ أنت أولا
- تراجعت ؟ حسنًا , اتفقنا
- هل كان الأمر متعلقًا بالنساء يا ( بروف ) ؟
-نعم , وماذا غير النساء يا بنيَّ ؟!
خلاصة الأمر أنني كنت أعبر الطريق في يومٍ من الأيام , التفتُّ جانبًا فإذا بي أنظر إلى أجمل فتاةٍ رأيتها في الكون , شابة , غاية في الجمال يا ( علي )
- وماذا حدث ؟
- لا شيء , تظاهرت أنني أساعدها في عبور الطريق , حتى لا تتأذي فالسيارات كانت تسير بسرعة جنونية , على الأقل بالنسبة لي :)
- وماذا فعلتَ ؟
- حاولتُ جاهدًا أن أضعَ كفي الأيمن على ظهرها من أعلى , وقفت على أطراف أصابعي , وبعد محاولاتٍ فاشلة , نجحتُ في المهمة وساعدتها في العبور :)
- وماذا فعلتْ هي ؟
- نظَرَتْ إليَّ نظرةً لن أنساها ما حييت , وابتسمَتْ
ثم مسَحَتْ بيدها على شعري وقالت ( ولد طيب ) ( good boy ), مما أصابني بالإحباط , كدتُ أخرِج لساني من فمي وألهث متقمصًا دور الكلب المطيع
وتذكرت على الفور أني مازلت طفلاً لم أكمل عامي العاشر هههههههههههه
- ولكن أنا لم أفهم , أين الرسالة التي ظننت أن القدر على حد تعبيرك قد بعثها إليك ؟
- الرسالة هي : " لن تجد ما تبحث عنه في المكان الذي تتوقع أن تجده فيه غالباً " هههههههههههههههههههههههه
- ههههههههههههههههههه , على فكرة يا ( بروف ) , إنت أخلاقك مش تمام , وفأري كمان
- لم أفهم , ولكني لاحظت أنك قلت أنني " فأري" , لا يا ( علي ) أنا من سلالة البشر مثلك تمامًا , هل أبدو لك حقًا كالفأر ؟!
يبدو أنك ستعلمني العامية المصرية قريبًا
- كل شيء جايز , ولكن هل تعلم يا ( بروف ) لقد صدقت
ليس من الضروري أن تجد الأشياء في الأماكن التي جرت العادة أن تتواجد فيها , فإن وجدتها هنالك , فاعلم أنك لست مميزًا , أو أنها ليست بالأهمية التي كنت تتوقع
- الآن يا ( علي ) , جاء دورُك , أخبرني عن المرة الآولى
- نفس الموقف تمامًا , إلا أنني كنت شاباً , والفتاة الجميلة كانت زوجتي
- زوجتك ؟!
ولماذا تتكلف في أن تلمسها مادامت زوجتك ؟ هل هناك ما يمنع من ذلك في دينك ؟ أنا قرأتُ جيدًا عن عقيدتك ولكني لم أنتبه إلى ذلك
- لا لا , انتظر يا ( بروف ) , لقد كانت زوجتي حقاً ولكننا كنا مازلنا في فترة العقد , تستطيع أن تقول فترة الخطوية حتى أقرب لك الأمر
- أها , الآن فهمت , ولكن هل وجدتَ أنتَ ضالتك
- هههههههههههههههههه , نعم
- أخيرًا سمعت صوت ضحكتك أيها المتجهم ؟!
الآن أنت لم توفِّ بوعدك , لقد ضحكتَ , لا يهم , أخبرني , أين الرسالة ؟
- معقولة ؟ ألم تفهم , لقد تعلمتُ من هذا الموقف أن " المعضلات والمشاكل ليست دائمًا بالسوء التي تظهر عليه " :))
- الآن فهمتك , ألم أخبرك من قبل أنني أرى المستقبل في عينيك يا ( علي )
عيناك تقول شيئًا ما , لست شخصًا عادياً
هل علمتَ الآن لماذا أتيتُ إليك أنتَ بالخصوص
- لعلها رسالة من ضمن الرسائل ؟!
- نعم , وقد تكون من أهمها , بعد الرسالة الأولى بالطبع , هل كنت تحبها ؟
- نعم , ومازلت
- وماذا تعني كلمة الحب بالنسبة لكم أيها المتدينون ؟
أقصد ماذا كان يخطر في بالك كلما نظرت إليها ؟
- عندما كنت أنظر في عينيها , أشعر أن الله قد بعث لي ملاكاً من السماء , لا يستطيع أن يراه أحدٌ على الأرض إلا أنا وحدي وهي لا ترى سواي , لأنها ببساطة ملاكي أنا , تمامًا كما أخبرتني من قبل بشأن الحصرية
كانت ملاكي الحصري يا ( آيني )
وبدأت عينا علي تمتلئ بالدموع , إلا أنه حبسها
- آهٍ يا ( علي ) , كلمة " كانت " , تفعل بي الأفاعيل , لا أحب هذه الكلمة أبداً
اعتدت دائماً أن أقهر الزمن , إلا أنها تؤلمني
أنا أعلم أنك تجتهد ألا تبكي , ولكني أنصحك أن تفعل
ابكِ , فالحرية الحقيقية بالنسبة للرجل تكمن في أن يضحكَ وقتما يشاء وأن يبكي كيفما يريد , ولا ضير أن يصرخ , هل تريد أن تصرخ بأعلى صوتك يا بنيّ ؟!
- نعم , ولكن هل يستقيم ذلك مع الرجولة ؟
- بالطبع , لقد ضحكنا كثيرا , فلا تستحي أن تبكي ولو قليلا , هيا يا بني
الآن أخبرني ماذا قال لك الطبيب في الزيارة السابقة
- من أدراك بشأن الطبيب ؟ هل تراقبني ؟
- لا , أبداً , ولكنني أحاول أن أساعدك على البكاء
انتبه يا بني , الزمن هو الحياة
أنا رجلٌ طاعنٌ في السن , وأنت كما يعلم كلانا أنك لست في أحسن حال , إذن فالزمن هو الحياة بالنسبة لكلينا , هل بدأت تفهم الآن ؟
- نعم , نفس المصير
- أها , الآن أخبرني , ماهو أكثر شيء تريده أن يحدث قبل أن تتوقف عقارب الساعة ؟
- سأخبرك , أنت بالتأكيد تعلم أنني لا أنام أبدا , أليس كذلك ؟
- بلى , بالطبع , ولكن هذا لا يضر فكثير من العباقرة كانوا يعانون من مثل هذه الأشياء
( دوستوفيسكي ) قضى عليه الصرع
و ( جون ناش ) كان يعاني من مرض ( التوحد وانفصام الشخصية )
كما أن أديبك العربيّ المفضل أصابه الصمم وهو في مثل سنِك
فقد تكون الحالة التي أنت عليها تدخل في جملة العلامات والرسائل
ولكن ما علاقة ذلك بعقارب الساعة ؟
- أنا على يقين بأن عقارب الساعة ستتوقف وأنا أنظر إليها بعينيّ هاتين , وأرجو من الله أن يبعث ملاكي الحصري في الوقت المناسب حتى يغمض لي عينىي , هذا كل ما أريده
ثم بدأت دمعتان في الهطول من عينيه دون أن يتحرك جفناه , ثم تحركتا برفق على وجنتيه حتى لامستا شعر لحيته ثم سقطتا على الأرض
يا له من مسكين , يمكث بالساعات وحيدًا ينظر إلى عقارب الساعة , حتى تحجرت عيناه تماما
لدرجة أنه لم يعد يستطيع أن ينظر في اتجاه معين إلا أن يلتفت برأسه , شيء مزعج
- الآن يا ( بروف ) , أخبرني عن الزمن , وعن المصير الواحد
- سأخبرك سريعًا لأن الوقت قد اقترب على الإنتهاء , انظر إلي الصورة التي ستظهر لك , أريدك أن تفهم المعنى الصحيح لمفهوم الزمن , فهذه مشكلتك الحقيقية
حاول أن تجمع أكبر قدر من المعلومات , وقت العمل سيبدأ قريبا
وفاجأة انطفأ الضوء المنبعث من ( الكاميرا )
- ولكن أين الصورة ؟! ( كذلك تساءل علي بينه وبين نفسه )
ثم سرعان ما وصله الرد , لقد وجد صورة لـ ( أينشتاين ) وقد طبعت على الحائط حيثما كانت تدور الأحداث السابقة
ووجد هذه العبارة مكتوبة على الصورة ( الوقت هو الحياة )
ثم نظر مرة آخرى وبطريقة لا إرادية إلى الجهاز حيث توجد نافذة ( اليوتيوب )
وكالعادة ظهرَت هذه العبارة
To be continued
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق