العظماء الخمسة والعصر الذهبي الثاني للمسلمين
في كتابه الرائع ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ) بسط الأستاذ الأديب الشيخ محمود
شاكر رحمه الله منهجه في الوصول إلى ثقافة تكون أساسا لقيام حضارة إسلامية
عربية أو بالأحري بعث هذه الحضارة من جديد , وبين رحمه الله أن ذلك المنهج له
شطران أو مرحلتان :
1- مرحلة المادة : أسماها ( مرحلة ما قبل المنهج ) وهي عبارة عن جمع المادة
اللتي تتعلق بالفن أو العلم موضوع البحث من مظانها على وجه الإستيعاب المتيسر
والإطلاع السريع , ومن ثم تصنيف هذا المجموع وتنقيته واختيار الحسن منه والنافع.
2- مرحلة تطبيق المنهج : إعمال التذوق في كل فن من الفنون وعلم من العلوم .
وذكر رحمه الله أن أي باحث يخوض مرحلة المادة والتطبيق يتأثر في كلا
المرحلتين بعوامل أهمها اللغة التى يتحدثها , والثقافة التي نشأ فيها , وأهوائه
الشخصية .
ثم انتقل بعد ذلك إلى أمثلة من التاريخ الإسلامي في عصر النهضة كان لهم التأثير البالغ
في نهوض هذه الأمة من الرقاد الذي كان متمكنا منها . وأسماهم العظماء الخمسة . كل
منهم برع في فن من الفنون أو علم من العلوم . منهم الفقيه واللغوي والأديب ومنهم من
جمع بين علوم الدين والعلوم الإنسانية ومنهم من أخذ على عاتقه تصحيح ما فسد من
عقائد معاصريه .
1- عبد القادر بن عمر ( البغدادي ) صاحب " خزانة الأدب ":
- هو محمد بن عمر بن بايزيد بن الحاج أحمد البغدادي.
- ولد عام 1620م. في بغداد وكانت وقتئذ محل نزاع بين الدولة الصفوية
بقيادة عباس الصفوي والدولة العثمانية.
- أفاد من لغة الفرس والترك إلى جانب اللغة العربية.
- هب فألف ما ألف ليرد على الأمة قدرتها على التذوق , تذوق اللغة والشعر
والأدب وعلوم العربية .
من مؤلفاته :
- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب .
- شرح شواهد الشافية للرضى والجاربردي .
- شر ح مقصورة بن دريد .
وغير ذلك وأشهرها على الإطلاق هو الخزانة .
2- حسن بن إبرهيم الجبرتي العقيلي ( الجبرتي الكبير ) :
- كان فقيها حنفيا كبيرا نابها , عالما باللغة , وعلم الكلام , وتصدر إماما مفتيا
وهو في الرابعة والثلاثين من عمره , ولكنه وفي عام 1731 م . ولى وجهه
شطر " العلوم " التي كانت تراثا مستغلقا على أهل زمانه , فجمع كتبها من كل
مكان , وحرص على لقاء من يعلم سر ألفاظها ورموزها , وقضى في ذلك
عشر سنوات , حتى ملك ناصية الرموز كلها , في الهندسة والكيمياء والفلك
والصنائع الحضارية كلها , حتى النجارة والخراطة والحدادة والسمكرة والتجليد
والنقش والموازين , وصار بيته زاخرا بكل أداة في صناعة وكل آلة , وصار
إماما عالما أيضا في أكثر الصناعات , لجأ إليه مهرة الصناع في كل صناعة
يستفيدون من علمه , ومارس كل ذلك بنفسه , وعلم وأفاد , حتى علم خدمه في
بيته .
- ويقول ابنه ( أو حفيده ) عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ المشهور :
" وحضر إليه طلاب من الإفرنج , وقرأوا عليه علم الهندسة , وذلك في سنة
تسع وخمسين وأهدوا إليه من صنائعهم وآلاتهم أشياء نفيسة , وذهبوا إلى
بلادهم ونشروا بها العلم من ذلك الوقت وأخرجوه من القوة إلى الفعل ,
واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء , وجر الأثقال , واستنباط
المياه , وغير ذلك ." ....انتهي كلامه رحمه الله .
وسأتحدث عن ذلك الرجل بكثير من التفصيل في مقالات قادمة إن شاء الله
وسنشرح كيف كان من المفترض أن يكون رحمه الله الخيط الواصل بين
عصر" بيت الحكمة " إلى " عصر النهضة " وكيف تخلفنا بين العصرين وكيف
أخذ زمام الأمور علماء آخرون أمثال " السير إسحق نيوتن " وغيره إلى عصر
" أينشتين " وفكرته الكبرى " نظرية النسبية الخاصة والعامة " .
لاحظ جيدا ان هناك فجوة زمنية ما بين نهاية العصر الذهبي للمسلمين (أوائل
القرن الخامس عشر الميلادي ) وبين عصر النهضة الأخير( منتصف القرن
السابع عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر )
وخلال هذه الفجوة قام الغرب فنهلوا وانتفعوا من خيرات سابقيهم ودفنوا فضائل
معاصريهم وتمكنوا من رقاب من جاءوا بعدهم حتى عصرنا هذا .
3- محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي ( الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) :
- ولد رحمه الله في العيينة بالقرب من العاصمة الحالية الرياض ونشأ نشأة
علمية, فأبوه القاضي كان يحثه على طلب العلم ويرشده إلى طريق معرفته .
- رحل في طلب العلم إلى مكة والمدينة والبصرة ثم عاد بعد ذلك إلى نجد
يدعو الناس إلى التوحيد , فقد هب يكافح البدع والعقائد التي تخالف ما
كان عليه سلف الأمة من صفاء عقيدة التوحيد , وهي ركن الإسلام الأكبر.
- لم يقنع بتأليف الكتب , بل نزل إلى عامة الناس في بلاد جزيرة العرب ,
وأحدث رجة هائلة في قلب دار الإسلام .
4- محمد بن عبد الرزاق الحسيني ( المرتضى الزبيدي ) :
- هو السيد مرتضى الزبيدي بن محمد بن محمد بن محمد بن عبدالرزاق نتهي
نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه .
- ولد رحمه الله في الهند ونشأ في ( زبيد ) باليمن , ثم رحل إلى الحجاز ,
وأقام بمصر وتوفى فيها عام 1790 م.
- من أجل وأشهرمؤلفاته ( تاج العروس من جواهر القاموس ) , وشرح كتاب
(إحياء علوم الدين ) للغزالي الإمام رحمه الله , وكان من تلاميذه الجبرتي
الصغير صاحب التاريخ المشهور ( عجائب الآثار في التراجم والأخبار )
وليس الجبرتي الكبير .
- هب رحمه الله يبعث التراث اللغوي والديني وعلوم العربية وعلوم الإسلام ,
ويحيي ما كاد يخفى على الناس بمؤلفاته ومجالسه .
5- محمد بن علي الخولاني الزيدي ( الإمام الشوكاني ) :
- هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن الشوكاني , من كبار علماء
وفقهاء اليمن وولد في خولان .
- نشأ رحمه الله نشأة دينية طاهرة , اشتهر عنه عدم الإختلاط بالناس إلا في
طلب العلم ونشره , ولاسيما الحكام .
- هب رحمه الله محييا عقيدة السلف , وحرم التقلييد في الدين , وحطم الفرقة
والتنابذ الذي أدى إليه اختلاف الفرق بالعصبية .
- هو صاحب ( نيل الآوطار ) المشهور .
وهنا أحب أن أنوه من يقرأ سير هؤلاء لا تنشغل بأسمائهم وتراجمهم بقدر إنشغالك
بالتنوع الموجود في الفنون والعلوم التي برعوا فيها رحمهم الله , لأن ذلك قد يساعدنا
الآن على وضع أركان أساسية تقوم عليها عملية التغيير وقيام أمة ذات حضارة .
1- عقيدة سليمة خالية من الشوائب.
2- لغة سليمة ولسان مستقيم . وهنا لا يقصد الإقتصار على لغتك العربية وفقط بل
من المهم اتقان أكثر من لغة إذا تيسر .
3- أدب راق ذو هوية . وهذا لا يمنع من الإطلاع على آداب الآخرين والنفع منها .
4- فقه بالأمور الشرعية أصولا وتطبيقا يستفاد منه حل المعضلات الشرعية
والنوازل التي قد تحدث في واقع الأمة.
5- إبداع في الأمور العلمية في مختلف المجالات , والتركيز على البحث العلمي ,
وسبل التطوير , والتركيز على قيمة العقل البشري في صنع الحضارة .
ومن الجدير بالتنويه هنا أن نقول أن قراءة التاريخ والتنبه إلى سنن الله عز وجل في
الكون هي الدليل الذي يرشد الضال , ويلهم الحائر كيف يستشرف معالم مستقبله ومن ثم
الإستعداد له , وسنن الله لا تتخلف ولا تتبدل , والتاريخ مثل عقارب الساعة ما إن تبدأ
رحلة الإبتعاد عن الثانية عشرة سرعان ما تعود مرة أخرى إلى نفس الموضع .
استفدت في كتابة هذه المقاله من:
1. كتاب (رسالة في الطريق الي ثقافتنا)لأبي فهر رحمه الله
2. جمهرة مقالات أبي فهر
3. ويكيبيديا الموسوعه الحره
4. ترجمة البغدادي في مقدمة خزانة الادب
محمود علي في 2\12\2010